في تمام السابعة صباحا عند “الجمعية”بمدينة قها بالقليوبية تظهر سيارة نصف نقل تنتظر علي الطريق وبداخلها احد مقاولي الأنفار ، بمجرد نزوله من السيارة يلتف حوله أكثر من 50 فتاة في حالة انتباه شديد تنتظر كل منهن أن تركب في تلك العربة ، يتحدث المقاول عن طبيعة العمل المطلوب ،سواء كان حصد المحاصيل الزراعية أو معاونة عمال البناء والمعمار وبعدها يتم تحديد مكان العمل الذي غالبا ما يكون خارج القرية في احدي المزارع الصحراوية ويحدد المقاول عدد أيام العمل والأجر .
يبدأ العدد يقل من حول المقاول، خاصة للفتيات الذين يرون أن الأجر المعروض لا يناسب المجهود المطلوب، وقد يحاول البعض رفع الأجر، وتستمر عملية التفاوض حتى يتفق الطرفان وتبدأ عملية الاختيار من بين الواقفين، أو يجري العمال على سيارة المقاول الذي يصرخ فيهم قائلا: “عاوز عشرين بس.. الباقي ينزل”، ولا يستجيب أحد فيختار المقاول بنفسه في ظل اختبائهم وراء بعضهم البعض حتى لا يقول المقاول لأحدهم انزل من العربة.
هذا المشهد يتكرر يوميا ليس فقط عند ” الجمعية ” بالقليوبية وإنما يتكرر في معظم القرى والمناطق الريفية منها قرية جردو التي تعتمد في ثروتها علي زراعة الملوخية والشيح الطبي والطماطم وقرية صان الحجر والصالحية ..ويفضل مقاولو الأنفار العاملات عن العاملين لأنهن يرضين باجر اقل.
تقول لمياء لطفي – باحثة بمؤسسة المرأة الجديدة – أن عمل عاملات التراحيل موسمي الطابع وغير منتظم في مواسم جمع المحاصيل مثل الأرز والفراولة والملوخية ويعملون لعدد ساعات كبيرة تصل لأكثر من 18 ساعة باجر زهيد ومن الممكن أن يكون أجرهم في درس الغلة 3 جنيهات في اليوم أو 200 ل300 جنية طوال فترة الموسم وهذا مبلغ لا يرضي الرجل أن يتقاضاه .
مع انتهاء صلاة الفجر، تبدأ سعاد السنهوري 27 عاما – عملها اليومي، فتنطلق إلى منطقة (الجمعية ) بمدينة قها بمحافظة القليوبية ، حامله معها كيس بلاستيك به طعام وجلباب لارتدائه أثناء العمل وتقابل صديقاتها ويقفن جميعا بانتظار العربة .
.
تقول سعاد “: “أعمل منذ عدة سنوات في هذه المهنة، مع أختي الكبرى و لم أتعلم مهنة أو حرفة ولم احتاج لذلك لان عملنا لا يحتاج للتعلم ، تركت الدراسة بعد حصولي علي شهادة الإعدادية ، أتقاضى يوميا ما بين 10 و20 جنيها حسب العمل المطلوب ،أعطيهم لزوجي ليستطيع أن يكفي مصاريف البيت
كان حديث سعاد مقتضبا فهي لا تريد أن يشغلها شاغل عن مقاول الأنفار وإلا تضيع منها فرصة ركوب العربة نصف النقل لذا ذهبت وذهب باقي زميلاتها.
وفقا لتقرير أعدته المؤسسة المصرية للحق في التنمية فان نسبة المطلقات من العاملات الريفيات تبلغ 8 % بينما تبلغ نسبة الأرامل اللاتي يعلن ابناهن 12 % بينما تبلغ نسبة العاملات الريفيات من الفتيات دون سن 18 20% ونسبة المتزوجات 60% واتضح أيضا أن نسبة إعالة النساء لأسرهن تبلغ 73%
تقول زينب عبد المجيد 26 عاما: “عملت بتلك المهنة منذ 5 سنوات مع والدي وعدد من فتيات القرية، فكان التجمع اليومي بأحد ميادين مدينة طوخ يبدأ في السادسة صباحا حعام،قلنا سيارات المقاول الذي نعمل لحسابه“.
وتتابع قائلة: “العمل يبدأ من السابعة والنصف صباحا، حتى الرابعة عصرا يتخلله ساعة ونصف للغداء في مقابل 5جنيهات يوميا، زاد أجري مع مرور الأيام حتى بلغ 10 جنيهات عام ، أي نصف أجر الرجل وقتها تقريبا“.
وتضيف زينب بأنها تزوجت في سن العشرين من عامل تراحيل أيضا، وأنجبت 3 أطفال، ولكنها لم تبتعد عن المهنة كثيرا؛وتخرج للعمل لمساعده زوجها علي أعباء المعيشة ولكن زوجها يعمل في مجال المعمار
وهي تشعر باستقرار وانتظام في العمل أكثر منه ؛ حيث إن عملها مستمر طوال الشهر لأنها تتنقل من حصد محصول إلي الأخر بجانب العمل في تجهيز الأراضي الصحراوية للزراعة في المزارع الكبيرة ، رفض زوج زينب أن نصورها فالصور شئ معيب في نظرهم ولكنه وافق أن يتصور بدلا منها فرحا بالتقاط صورة له
وفقا لتقرير صدر عن مركز الأرض فان المرأة تمثل 48% من حجم العمالة الريفية وتقوم بـ70 %إلى 75% من حجم العمل المبذول في الزراعة ولا تحصل سوى على 10%من الدخل، وحوالي 71%من العاملات في المجال الزراعي لا يحصلن على أي أجر.
يضيف تقرير المؤسسة المصرية للحق في التنمية أن العاملات الريفيات خلال موسم الشتاء بقرية رودج يعملن في جمع محاصيل الملوخية والشيح والطماطم و يقمن بفرز المحاصيل التي تم تجميعها وتعبئتها في كراتين
يبدأ العمل في الساعة الخامسة فجرا حتى العصر وتتقاضى العاملات عشرة قروش مقابل فرز الكيلو الواحد ويصل الحد الأعلى لقدرة ألعامله الواحدة على الفرز إلى 35 كيلو ملوخية
كما يقمن بجمع محصول الشيح خلال شهر يناير من الغيط من السابعة صباحا وحتى السابعة مساء حيث يقدر الكيلو بنصف جنيه بعدما كان ربع جنيه في الماضي ويصل الحد الأقصى للإنتاج 20 كيلو للعاملة الريفية بينما الحد الأدنى يصل إلى 8 كيلو فقط
أيضا تقوم العاملات بجمع محصول الطماطم من الفجر وحتى العصر ويتم صرف يوميه لهن خمس جنيهات ويكون مكان عملهم الغيط كما يقومون أيضا بفرز اشولة البصل لإخراج الجيد منها وتعبئته في أجولة.
وفى الموسم الصيفي يقمن العاملات الريفيات بجمع محصول القطن من الغيط مقابل اجر يومي يتراوح ما بين اثنين جنيه للأطفال وحتى أربع جنيهات للعاملات الريفيات
مع صدور قانون العمل الموحد “القانون رقم 12 لسنة 2003″ تم حرمان العاملات الريفيات وعاملات التراحيل والعاملين في الأعمال الموسمية من أي حقوق قانونية رغم أنهم يواجهون الكثير من المخاطر خاصة مع طريقة نقلهم غير الآدمية مثلهم مثل البهائم في سيارات نصف نقل ، تحدث كثير من الحوادث لعمال التراحيل بسبب ذلك أخرها الحادثة التي مات فيها ستة أشخاص في منتصف الشهر الماضي وكانوا عمال مزارعين عائدين من مدينة الصالحية إلي قريتهم “صان الحجر” بالشرقية معظمهم فتيات يتراوح أعمارهم من 12 إلي 20 عاما
تضيف لمياء لطفي أن الأمر لا يقتصر علي الحوادث التي تحدث في طريق الذهاب أو العودة إلي العمل فبالإضافة إلي ذلك تتعرض العاملات إلي كثير من الانتهاكات منها كم كبير من التحرشات الجنسية وبحكم وجود معتقدات تدين البنت إذا ما صرحت بأمر كهذا ، تمتنع البنت عن التصريح بما يحدث لها من تحرشات وتفضل أن تأكل لقمة عيشها في صمت
تقول نهاد أبو القمصان رئيس المركز المصري لحقوق المرأة أن عاملات التراحيل تم إسقاطهن من حساب الدولة خاصة بعد قانون العمل الموحد وهن فئة يتم انتهاكها علي طول الخط ويتعرضن للتهميش ويتعرضن لأمراض كثيرة ناتجة عن المهنة منها الانزلاق الغضروفي فالسيدات من سن 30 :35 سنة يتعرضن للانزلاق الغضروفي ،أيضا يتعرضن للأمراض الصدرية عند درس محصول الأرز مثلا.
ويشير تقرير مركز الأرض إلي تدهور أوضاعهن الصحية، و إصابة أكثر من 40% منهن بالأمراض الناتجة عن نقص السعرات الحرارية والبروتين بخلاف ما يصيبهن من تسمم بفعل المبيدات، أو مرض السل للعاملين والعاملات منهم في مزارع الياسمين بدون اتخاذ المتطلبات الصحية المفترضة
ويضيف تقرير المؤسسة المصرية للحق في التنمية أن نسبة 23 % منهن تلجا للعلاج بطرق بدائية معتمده على وصفات شعبيه كالعلاج بالليمون والكمون وغيرها من المواد المتاحة و 58 % من العاملات يطلبن العلاج من الصيدلية و19 % فقط يذهبون إلي الوحدات الصحية حيث انه لا توجد سوي وحدة صحية واحدة بكل قرية وغالبا يفضل العاملات الريفيات الوصفات الشعبية