Monday, January 25, 2010

مع الانسان في رحلة نجع حمادي ..لحظات انسانية

مع الانسان في رحلة نجع حمادي ..لحظات انسانية

----------------

مشهد 1

حين ركبنا قطار رحلتنا المتجه الي نجع حمادي جلس بجوارنا هذا الوجه المصري البشوش ، انه أدم شاب مصري من هذه الارض السمراء ، بسمته تشعرك بالحميمية والاطمئنان ، سمعنا نتحدث عن مصر وعن الفساد وعن الصعيد ، شاركنا بلطف وأدب جم ، قال لي : المشكلة ان من يتكلمون عن الصعيد واهله لا يعلمون كيف حياتنا ، ليتهم يتركون مكاتبهم المكيفة وصحفهم ، ويأتون شهرا واحدا ليعيشوا بيننا ليعرفوا لماذا يهرب ابناء الجنوب من أرضهم ويبحثون عن حياة أخري ؟ اننا يا سيدي منسيون مهمشون ، ولا اعلام يهتم بنا ولا مجتمع مدني ، نحن وسيلة للاسترزاق مرة باسم تنمية الصعيد ومرة باسم الفتنة الطائفية ، ان في أرضنا قري واماكن ما زالت تعيش حياة بدائية بلا كهرباء ولا ماء وكأنهم من العصور الأولي ، يا سيدي ..لا تكونوا مثلهم ، لا يتذكروننا الا عندما يشب الحريق فيحاولون اطفائه فقط ولا يبحثون عن أسباب اندلاعه

------------------

مشهد 2

بعد ان تم اختطافنا واعتقالنا ودخلنا الزنزانة جمعتنا دكة واحدة انا ووائل عباس ودماغ ماك وشريف عبد العزيز ، كنا ما زلنا في حالة الذهول من مشهد الاختطاف والاعتقال السينمائي لنا من الشارع ، كنا جميعا ننظر الي الأرض محبطين من تصرفهم السخيف معنا ، تتحدث عيوننا وعندما خرج الكلام بصعوبة من أفواهنا ، كانت نفس العبارة علي لساننا جميعا : يبدوا انهم مصممون علي أن يجعلوننا نكفر بالوطن ونهاجر هربا منه ، هل سنكفر بالوطن ؟؟

----------------------

مشهد 3

كان زميلنا طارق من سوهاج يصاب بالاغماء من سوء التهوية وضيق الزنزانة ونسرع بالطرق علي الباب ليأتوا اليه بالاسعاف وكان الضابط المسئول عنا يطلب مني محاولة افاقته ، وكان طارق في حالة يرثي لها بين الموت والحياة ، لسانه يتدلي خارج فمه ويسيل منه اللعاب وعيناه زائغة وعندما كنت اجلس علي الارض بجواره واحاول افاقته كان يعود للوعي ثم يغيب مرة أخري ، واثناء ذلك حاول ان يحدثني ويقول بصوت متقطع : قل لهم انا ما عملتش حاجة ، انا بموت ، كنت احاول تهدئته وطمأنته ولكن كنت ابكي بدموع لا يراها أحد واقول له : كلنا ما عملناش حاجة ..احنا صح يا طارق احنا ما عملناش اي غلط

-----------------------

مشهد 4

ارادوا ان يسموا مجموعتنا تنظيم الثلاثين وكان عددنا غير مكتمل فأسرعوا بالقبض علي عدد من المارة من الشوارع وضموهم الينا ليكتمل العدد 30 ونصبح مجموعة الثلاثين ، وكان من بين المقبوض عليهم رجل في الخمسينات من عمره يعمل مديرا لاذاعة القرأن الكريم بقنا وكان ذاهبا الي المسجد الذي سيلقي فيه شيخ الازهر خطبة الجمعة بنجع حمادي ليقوم باذاعة الصلاة ، واوقعه حظه العاثر في يد هؤلاء الذين لا يتفاهمون، وعندما رأنا وسمع كلامنا مع بعضنا ، كان مصدوما فهو لا يعرف اصلا ما معني التدوين والمدونين ولا المجتمع المدني ، هو رجل طيب وبسيط مثل ملايين المصريين ، اقسم لي انه لم يدخل قسم شرطة في حياته ولم يأخذ حتي لفت نظر في عمله ، فهو مسالم لأقصي حد وبيمشي جنب الحيط حتي يربي ابنائه ، مع كل دقيقة تمر كانت نفسيته تسوء ويحاول أن يطمأن فيقترب مني ويقول لي : يا دكتور هو كدا ممكن يرفدوني من شغلي ؟ طيب هما ممكن كدا يأذوا الولاد ؟ هما ممكن يلغوا معاشي بعد اللي حصل ؟ والنبي قول للضابط اللي بيكلمك دا : اني انا بتاع الاذاعة وماليش علاقة بيكم ولا اعرفكم ، معلش يا بني انت قد ولادي ...انا مش عارف ولادي وامهم دلوقتي عاملين ايه وانا غايب عنهم كدا من غير ما يعرفوا انا فين....!

كنت أربط علي قلبه واطمئنه انها مسألة وقت وتمزق قلبي كثيرا وانا اري بكاءه وهو يعطينا ظهره حتي لا نراه ويدعوا الله بفك كربته واخذت اتخيل كم مظلوم مقهور مثل هذا الرجل في مصر يدعوا علي النظام وطغاته

وتذكرت طبعا الفيلم الرائع (احنا بتوع الاوتوبيس )

ومع طرقات احمد بدوي الهادرة علي الباب المصفح كان قلب الرجل يقع بين قدميه ويقول لي : كدا مش هنطلع خالص

بالله عليك قول للاخ دا ما بيخبطش علي الباب كدا ولكن كان احمد بدوي ثائرا ليست لثورته حدود

---------------------

مشهد 5

كان من الضباط القليلين الباسمين في وجوهنا هو مقدم من قنا ، يدخل علينا ويلاطفنا بالكلام ويحكي لنا عن قصة سيدنا يوسف وكيف مكث في السجن 7 سنوات واحتمل البلاء ليصبح بعد ذلك عظيما وقائدا ونحن نضحك ، ونقول له : حضرتك سبع سنوات هنقضيهم هنا ؟ انت بتهييء نفسايتنا ؟؟

فيقول لنا : لا بد ان تحمدوا الله هناك ناس تموت في حوادث طرق بشعة وانتم هنا بخير، فيزداد ضحكنا من طيبته ويدخل علينا مرة أخري ليكمل لنا قصة سيدنا يوسف ، كنت اسمع منه القصة وانا مسلم فأقول في نفسي : جميل ان هناك ضباط شرطة يقرأون في تفسير القرأن ، ربنا يهديهم ، وكانت المفاجأة لي عندما اخبرنا باسمه في نهاية اليوم وعرفت انه مسيحي ، فسقطت في موجة ضحك لم تنتهي سريعا وباسم سمير يضحك معي ويقول لي : بيقولك الحياة الابدية اهم من الحياة الدنيوية ، الحياة الابدية دي بتاعتنا يا مصطفي ، كم احسست ساعتها ان هذا الشعب واحد ينتمي الي حضارة واحدة مهما اختلفت العقائد

---------------------

مشهد 6

في النيابة كانت المشاهد متعددة وهم يستقبلوننا استقبال اسطوري بجيش مدجج السلاح ، كون حولنا كردونا حتي ونحن علي السلم الضيق جدا و الذي لا يتسع لاكثر من اثنين ، عندما وصلت للطابق الذي يجري به التحقيق رأيت الاستاذة هالة المصري الناشطة القبطية في قنا ورأيت معها محامين لا اعرفهم يسألون عني بالاسم ويقولون لي انهم من طرف اصدقاء لي في سوهاج واسيوط ، وعندما دخل معي المحامي لحضور التحقيق قال لي وكيل النيابة مازحا : المحامي اللي داخل معاك دا اخوان يبقي انت اخوان ، ابتسمت واستغربت ، لو هو اخوان ؟ كيف يقف مع هالة المصري ومعروف ان الكثير من الاقباط لهم موقف سلبي من الاخوان وعندما خرجت وانتهي التحقيق علمت ان المحامين من اهل قنا من نقابة المحامين وقد دخلوا مع كل الزملاء وسألت هالة المصري فأكدت لي ذلك انهم من اهل قنا وان منهم محامين اخوان وغير اخوان ولكنهم اتحدوا متطوعين ا للوقوف معنا ، فانشرح صدري وانا اري المصريين ينبذون اختلافاتهم الفكرية والسياسية ويقفون معا من أجل نصرة المظلوم

وكان من أشد ما أضحكني اتهام الضابط لنا في التحقيق انه استشف اننا ننوي الهتاف بعد نزولنا من القطار ...ّ وسألت وكيل النيابة : هل التفتيش في نوايا البشر دليل ادانة لهم ؟ فابتسم وقال لي : احنا في مصر

--------------------------

مشهد 7

كانت الزنزانة ملتقي فريدا من نوعه جعلني فعلا اشعر اننا جميعا في وطن واحد وفي سجن واحد وان مصر مسجونة في شبابها هؤلاء ، ضمت الزنزانة اشخاصا من كل الاطياف ، ليبراليين واسلاميين ويساريين وقوميين ومسلمين ومسيحيين ، جمع بينهم الاستبداد رغما عنهم ، لم يفرق بين مسلم ومسيحي ، لم يفرق بين اصحاب الاتجاهات المختلفة فكلهم رهائن في سجنه ، ودارت بيننا حوارات كثيرة كان اجملها ورشة العمل التي عقدناها في أخر يوم حول مشاكل العمل السياسي في مصر من وجهة نظرنا كشباب نشطاء وتبادلنا فيها وجهات النظر في اطار حوار راق ومتميز شارك فيه الجميع ولا ادري هل سيمكننا تكراره ام اننا لن نستطيع الا اذا جمعنا السجن مرة أخري ....!

------------------------------

مشهد 8

كانت زنزاتنا في مواجهة زنزانة الفتيات ومن خلف الكوة الصغيرة وقضبانها الثلاث كنا نتبادل الكلام بالاشارة ونتفق معا علي خطوات التحرك اما بالتصعيد او التهدئة وكانت اسراء وماريان وسلمي هم اكثر من تحدثن بالاشارة الينا ونحن لا نفهم كثيرا مما يقولون وعندما لاحظ الضباط ذلك قاموا بوضع ورقة جرايد في الباب الذي يتوسط الزنزانتين ليمنعوننا من التواصل ، كنت اضحك وانا اتذكر فيلم حب في الزنزانة وعادل امام يتحدث عبر القضبان واتفقنا بعد الخروج علي ضرورة تعلم لغة الاشارة ...:)

--------------------------------

مشهد 9

شريف عبد العزيز ، شاب مصري مستقل لا ينتمي الا اي تيار ويعمل مستشارا في الامم المتحدة في مكافحة مرض الايدز ويحمل جنسية امريكية بجانب المصرية ، عندما تم القبض علينا ، لم يخبرنا شريف ان معه جنسية امريكية وفي نهاية الرحلة اخبرنا شريف ، فسألته : لماذا لم تعلن ذلك من البداية ؟ كان ممكن يطلقوا سراحك وعلي الاقل كنت خرجت وساعدتنا .. قال لي شريف : يعني اسيبكم يا مصطفي ؟ واحتمي بجواز دولة تانية احمل جنسيتها ؟ ما ينفعش...!

شكرا شريف أكدت لي انه ما زال هناك مصريين بجد

-------------------

مشهد 10

كانت مجموعة شباب سوهاج الذين تم عتقالهم معنا مجموعة من الشباب البسيط الذي ليس له انتماء سياسي وكل ما في الامر انهم جاءوا مع جارة لهم هي مرشحة برلمانية سابقة وناشطة في سوهاج للقيام بواجب العزاء ، وفوجئوا بما حدث لهم واصيبوا بصدمة رهيبة ،كانت تزداد مع مرور الوقت ومع احتكاكهم بنا وسماعهم حديثنا عن نشاطنا وعن العمل السياسي ، كانوا يشعرون انهم قد تورطوا مع ناس مشبوهة اعتادت قبل ذلك علي الاعتقال وهذه الاجواء ، كان عددا منهم يبكي وبعضهم يقول لي : والنبي قل لهم اننا مش تبعكم خالص ... كنت اضحك داخليا وانا اشعر انهم يروننا سبب بلائهم لأننا نشطاء ومدونين ولكن كنت احاول طمأنتهم قدر الاستطاعة خاصة مع تكرر اغماء زميلهم طارق ولم يكونوا يشاركوننا الغناء خوفا من اتهامهم انهم يحفظون اغاني وطنية ضد النظام ولكن مع اصرار باسم فتحي وتشجيعه لهم بدأ بعضهم يغني معنا اغاني الشيخ امام والسيد درويش بحماس وكان هذا قبل الخروج وعندما اتانا خبر الافراج ، بكوا من الفرحة وقال لي احدهم وهو يحضنني قبل الانصراف : احنا جينا هنا واحنا مش عارفين حاجة بس بجد احنا اتعلمنا منكم حاجات كتيرواكيد حياتنا هتتغير بعد كدا

ساعتها كانت فرحتي لا توصف فقد شعرت ان الثبات هو عنصر الهام للبشر يستطيع ان يغير حياتهم وافكارهم

-----------------------

هذه لمحات انسانية سريعة اختم بها قصة تنظيم العزاء ومجموعة الثلاثين ونلتفت الان الي ما هو قادم ونبتسم رغم أي شيء ، أملا أن القادم سيكون أفضل .......بنا

لقراءة ما كتب من ذكريات حول الحدث الروابط التالية :

الصديق بولا عبده

لينك الجزء الاول
http://www.facebook.com/note.php?note_id=296065465411

لينك الجزء الثانى
http://www.facebook.com/note.php?note_id=298211165411

لينك الجزء الثالث

http://www.facebook.com/note.php?note_id=302957190411

الصديق : باسم سمير

http://www.facebook.com/note.php?note_id=294001465662

الصديقة ماريان ناجي

http://www.facebook.com/note.php?note_id=253567703589

الصديق باسم فتحي

http://www.facebook.com/note.php?note_id=257716243015

الصديقة : شاهيناز عبد السلام

http://www.facebook.com/note.php?note_id=264078141820

الصديق : شريف عبد العزيز

http://www.facebook.com/note.php?note_id=260211137979

الصديق : أحمد بدوي

http://www.facebook.com/note.php?note_id=252073668033

2 comments:

مصعب رجب said...

تحياتي يا دكتور
مشاهد رائعة
أرجو أن لا تتكرر داخل الزنزانة مرة أخرى إن شاء الله

دمت بحرية

فليعد للدين مجده said...

اخي د.مصطفي
نقلت لنا مشاعر ومواقف انسانية رائعة وباكية في آن واحد
نسأل الله ألا تتعرضوا لمثلها أبدا
لكم الشكر علي سعيكم في توكيد قيمكم السامية وفي السعي لمصلحة بلدنا
كان لي بعض التحفظات في هذا الموضوع لكن ليس الآن أوانها