Thursday, December 10, 2009

فلتبدأي من جديد


هي ذلك المزيج الغريب الذي صنعته الاقدار وجعل لها هذه الشخصية التي يصعب الاقتراب منها الا بتصاريح خاصة لا يحصل عليها الا من يستجمع الفهم والتقدير لهذا المزيج اما من يصعب عليهم فهم هذا المزيج وسره فانهم يعانون ويعانون ، تبدوا أحيانا لنفسها أنها اثنان لا شخص واحد تتنازعها ثقافتان وعشقان وحلمان ما بين شد وجذب وقرب وبعد ويأس وأمل .

ليس ذنبها انها ولدت ونشأت هكذا واجتمع لها هذا التشكيل المميز ، روحها تهفو لأشياء ومعان أخري تختلف عما تهفو اليه رفيقاتها ، معايير تقييمها للأمور تختلف تماما عما حولها ، يعجب الكثيرون من اختياراتها واهتماماتها ويعدها بعضهم شخصا غريب الأطوار ولكنها تعرف ما بها وكذلك يتفهمها ويشعر بها من يعرفها ويكتشف خريطتها الداخلية

تبدوا صلبة كالجبل الراسخ الذي يتحدي الاعاصير والعواصف وفي نفس الوقت هي رقيقة لدرجة الهشاشة ، تبكي وحدها ولا تحب ان يري أحدا دموعها ، تعتقد ان دموعها ملك لها لوحدها ولطيف جميل لم تحظي به الي الان ، يحسبونها سعيدة بما حازت من فضائل وسمات عدة ولكن بداخلها معارك ضارية لا تتوقف وكأن قلبها مرجل يغلي بما فيه وتتصاعد منه حمم الألم والحزن ، علمها حزنها صفة التأمل ، كثيرا ما تختار لنفسها مكانا تشعر فيه بخصوصية مادية ومعنوية وتأوي اليه كأنها تختبيء فيه ، وتظل تتأمل وتقلب الافكار وتتذكر الاحداث والوجوه واللحظات فتنساب دموعها تارة وترتسم البسمة بل الضحكة علي شفتيها ، من يراها من بعيد يعتقد انها مجنونة ، اذا انها تفعل الشيء ونقيضه في لحظة واحدة ، تبكي وتضحك ، تقوم وتجلس ، تتحرك وتسكن ، اما اذا كانت تسير في الطريق فستكتشف انها هناك في عالمها الخاص ، تتأمل فيه ولا يعنيها ما حولها من بشر ولا صخب ولا حتي سيارة مسرعة قد تدهسها ، تمتعها زخات المطر تهوي علي رأسها وهي تسير وتتأمل السماء بنجومها وتتأمل الارض بأضوائها المختلفة وتغني مع دفقات المطر اشجان من شجنها والحان من عالمها

بين الأرض والسماء تبدوا صاحبتنا ، نعم معلقة ، لا هي تريد الارض وما فيها ولا تستطيع ان تصعد للسماء رغم انها تري نفسهالم تخلق للأرض ، ربما لو كانت كائنا بحريا يسكن الشعاب المرجانية لكان أفضل لها ، ربما لو كانت طائرا يرفرف بجناحيه كل صباح ويحلق في السماء وينظر للأرض من علو لكان أفضل ولكن هي بشرية الخلق والتكوين

هي الارستقراطية الناعمة وهي الصوفية الزاهدة البسيطة التي ترنوا وتهفوا للبسطاء وحالهم ومعايشتهم هي الطاقة التي تتحدي المألوف وتصر علي تغييره مهما كان طالما انها تري ضرورة تغييره ، هي من تحمل ارثا ثقيلا علي كاهليها تعتقد انه لا بد أن تزيل ما عليه من أدران ومن غبار علق به وشوه معدنه الصافي وبريقه النقي

هي من تريد ان تسابق خطوات الزمن لتحقق كل احلامها وتترك أثرا يذكرها به كل السائرين في الطريق ، هي من تريد ان تعيد تشكيل واقعها ومحيطها بخطوط جديدة تصنع لوحة بديعة الالوان والأطر والمساحات

هي ذلك القلب البريء الذي أوجعته الأيام بمفارقات قدرية متتالية ، جعلتها كمن يغرق والامواج تلطم وجهه وتردي أحلامه ، أحزانها عظيمة كأحلامها ، اذا حزنت وتألمت بكت معها بحار الارض دموعا وعزفت معها الطيور لحن الألم وتوطن الحزن قلبها وكأن قلبها مرفأ ومرسي حطت به سفينة الأحزان

تتمني أن تخرج عن حزنها وتمسك قيثارتها لتعزف لحنا أخر، يوحي بالفرحة والأمل ولكن لا تطاوعها قيثارتها فتبث رغما عنها لحن اللوعة والاشتياق والحنين الي حلم قد فاتها وجرح قد مسها ، تترقرق في عيونها دمعات من لؤلؤ تغمر وجنتيها وتحاول جاهدة ان توقفها ، لكن قلبها يصر علي أن يطلق شلال الدمع ليودع طيفا ما استطاع البقاء بعدما اختار القدر له الرحيل

أيتها الزهرة النضرة والحلم البريء والقلب الوفيّ والعقل المتوهج والهمة المتأججة ، أيتها اللحن الجميل والأمل المستمر والنسمة الحانية ، كفكفي الدمع فقد آن أن تهديء الأحزان ، وأن تحاصري الألم وتقهريه ، وأن تزرعي زهرك الأبيض وتسقيه ، افتحي نافذتك وأطلي علي سماء الغد فانه يحمل لك الكثير ، افتحي ذراعيك للحياة و تنفسي نسم الحب و الأمل وابدءي الأن من جديد

2 comments:

عزة مطر said...

رائعة ..توحدت مع هذه الكلمات

اميرة said...

اكثر من رائعة