استقبال البرادعي ..بذرة أمل تحتاج العناية
-----------------
البرادعي قالها قوية ...مصر عايزة ديموقراطية...مصر فيها الف بديل ..والبرادعي اهو دليل ...شد الصفوف يا برادعي ...مفيش رجوع يا برادعي
كانت الهتافات تهز المكان في صالة 3 بمطار القاهرة وقد اصطف مصريون من أطياف مختلفة ينتظرون وصول البرادعي أملهم في التغيير ، لقرب بيتي من المطار لم انزل الا عندما تأكدت ان موعد الطائرة قد اصبح في الخامسة والنصف بدل الثالثة ولكن عندما ذهبت ندمت انني لم اكن متواجدا منذ الصباح مع هؤلاء الرائعين ، كل من حضر الاستقبال سيحدثك عن هذا الشعور الرائع الذي غمر الجميع ، انه شعور بالأمل ، شعور بقوة الذات ، شعور بامكانية النجاح وتجاوز الواقع المرير ، شعور بأن هناك شيء جديد يتكون ، ليس البرادعي هو السسب فيه ، بل هو شعور ذاتي عند الناس ، الناس التي كفرت بالنظام الرافض للاصلاح الديموقراطي والقاتل لنفوس المصريين وعزائمهم بالقهر والفساد والاستبداد ، الناس التي ملت من احزاب المعارضة الموالية للنظام ، الناس التي يئست من كل الحركات والكيانات التي تطالب بالتغيير وهي أول من يحتاج للتغيير واعادة البناء علي اسس سليمة ، الناس ملت من اليأس فتسلحت بالأمل وقررت ان تخلق هذا الأمل وأن تستغل فرصة ظهور البرادعي في المشهد لتجعله رأس الحربة في ايقاظ هذه الروح
نعم ابرز ما في المشهد هم الناس ، فتاة جامعية من احد الاقاليم كانت تقف امامي وتهتف بعزمها وتصفق فرحا وهي تصرخ : مصر عايزة ديموقراطية ، كانت بجوارها سيدة تحمل طفلها ولفت جسدها بعلم مصروتشاركها الهتاف : مصر مصر ، كانت الهتافات تخرج من اعمق اعماق القلوب ، والدموع تتلألأ في عيون الكثيرين ممن اضناهم الألم واليأس مما وصل اليه حال الوطن ، شاهدت ريفيين بسطاء جاءوا من محافظات مصر ، يحملون لافتات باسم محافظاتهم ، لم يدفع لهم البرادعي كي يأتوا ويستقبلونه ، شاهدت أسر مصرية لأول مرة تشارك في فعاليات سياسية ، اكثر من اسرة الزوج والزوجة والاطفال ، اناس لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالتيارات السياسية ، اناس ممن تجدهم في النوادي والمصايف بتركيبة اجتماعية مميزة لم يكن لها يوما اي اهتمام بالشأن العام
وجدت طلابا وخريجين من جامعات مصرية لم ينضموا يوما لجماعة ولا حركة ولا حزب ، وانما أتوا بحثا عن الأمل ، نعم الأمل هو ما جمع كل هذه الناس ، نسبة الوجوه المسيسة والممارسة للعمل السياسي لا اظن انها تجاوزت العشرين بالمائة ، والاغلبية كانت الناس ، وأؤكد علي كلمة الناس ، وجدت شاب صغير طالب اسرته اخوانية وذهلت لايجابيته وحركته الذاتية التي جعلته يأتي للمطار وهو لم يتجاوز السابعة عشر من عمره وقد حمل علم مصر ووقف يهتف للديموقراطية
ربما كان من اللافت للنظر هو عدد الفتيات والسيدات الذي كان كبيرا ويدل علي صحوة الفتاة والمرأة المصرية وكسرها لحواجز الخوف وتقاليد المجتمع التي تستغرب من اهتمام النساء بالشأن العام خوفا عليهن ، كانت هتافات الفتيات احيانا أعلي صوتا من هتافات الشباب في حماس غامر وعزم متدفق ، لم تكن هناك قيادات تقليدية للمعارضة توجه الشباب والناس ، وانما صنع الشباب كل شيء بدءا من لجنة النظام التي حافظت علي النظام لأقصي حد وانتهاءا بدورهم في افشال محاولات بعض المدسوسين الذين كانوا يهتفون بهتافات خارجة فكان الشباب يسكتونهم هتافهم الاعلي والاشد اخلاصا ، العزيز عمرو علي لم يمر علي الافراج عنه الا ساعات هو واحمد ماهر ولكنه الهب حماسة الجميع بهتافه الصادق ، كانت لحظة تاريخية بلا شك قرر فيها الشباب ان يكون لهم رأي أخر يفرضونه علي الواقع ، فالشباب هم من تبنوا فكرة دعم البرادعي واستقباله ، ورغم وجود قيادات للمعارضة ورموز اعلامية وثقافية في الاستقبال ، الا الحدث بشكل عام هو من اعداد الشباب واخراجهم
الاعداد كانت بين ألفين وألفين ونصف ، الا ان معيار العدد ليس هو المحدد الاساسي لأهمية الحدث ، وانما بنية الحدث و التركيبة الاجتماعية للمشاركين هي المعيار الأهم الذي ينبغي الوقوف عنده والبناء علي منجزاته
مع احترامي للبرادعي كقيمة مصرية ، الا اننا يجب ان نوجه جهدنا لاحداث هذا الحراك واستمراره ، فالواقع الان به فرص للحركة يجب استغلالها مع اقتراب الانتخابات ، اذا اختار البرادعي ان يكون مع الناس فسيجد الالاف بل الملايين التي ستلتف حوله ، ولكن اذا اختار المعارضة من المكتب المكيف والنضال عبر الصحف والفضائيات فستزيد المعارضة المصرية رمزا جديدا يضيف لفشلها رصيدا جديدا
ليس هناك معني ان يترك البرادعي مصر ان كان فعلا ينوي العمل مع الناس من اجل الديموقراطية ، ربماأهدي الشعب المصري وشبابه الي البرادعي فرصة ذهبية لم يحلم بها رمز معارض قبل ذلك ، هل يستغلها البرادعي ام سيتم تحجيمه ليدخل في دائرة اللعبة المحددة التي صممها النظام للمعارضة ؟
هناك قبل النهاية نقاط اساسية احب ان اركز عليها في مسألة البرادعي وفي حلم الناس به :
1 – أي تغيير يبدأ بصناعة نخبة تقود عملية التغيير ، ومصر للأسف بلا نخبة متماسكة او موحدة وهذا التحدي الأول امام البرادعي ان يصنع ويجمع نخبة حقيقية مؤهلة للسير وقيادة الناس الي المطالبة بالديموقراطية
2 – سيجد البرادعي من المعارضة المصرية ربما عقبات اكثر مما سيلاقيه من النظام ولكن اعتقد انه علي درجة الحنكة العالية التي تجعله يتجاوز هذا الفخ
3 – حالة الشباب المستقل ، الذي بحدث اليوم يشير الي بروزقوة جديدة تحتاج ان تطور نفسها وتحشد طاقاتها لتكون طرفا فاعلا وحقيقيا في ارض الواقع وليس العالم الافتراضي ، علي هؤلاء الشباب ان يحذورا من محاولات الركوب علي نجاحهم من بعض التيارات السياسية ن وان يحذروا من محاولات التفرقة ومن كل أفات العمل السياسي التي قتلت قبلهم حركات اخذت هذا الزخم وأكثر منه ، والتحدي الاكبر ان يصبح اليوم بداية لخلق وتكوين تيار اجتماعي جديد لا يكون تنظيما له هيكل ، ومستويات قادية بل العمل بشكل لا مركزي علي احداث الوعي وجمع الناس علي أمل يمثل البرادعي واجهته الأولي
4 – يجب عدم ربط مصير التغيير في مصر بشخص واحد ، فاذا مضي لحاله او تراجع فلا تغيير سيحدث لأن هذا مراهقة فكرية وسياسية ، التغيير عملية تفاعلات مستمرة وتراكمات لا تتوقف ، ولا مانع من الاستفادة برمزية اي شخص لحشد الناس حول التغيير والمطالبة به
4 – علي محترفي ومدمني النضال الحنجوري ومنظري التويتر والفيس بوك ، ان يرحموا هؤلاء الشباب من تنظيرهم السيبري ، وان يتركونهم يخوضوا التجربة وان يدعمونهم ما استطاعوا بما لبعضهم من سابق خبرات في مجالات معينة قد تكون هامة للفترة القادمة
5 – بقدر ما تلتحم القوي الان وبقدر ما تتجمع الجهود وتتناسق وبقدر ما نتعلم من دروس الفشل الماضي بقدر ما سيكون لأملنا وحلمنا فرصة في التحقيق ، نحتاج الي بناء تحالفات والي تعبئة للموارد في كل الاتجاهات والاستفادة من كل صاحب تجربة وكل صاحب جهد يستطيع تقديمه وسأفرد لهذا مقالا خاصا
نهاية ، الأمل باق مهما طال الطريق ويبقي ...الناس هم الحل