Friday, October 16, 2009

سوف تلهو بنا الحياة


لا تنام
-------
يأتي الليل ويحل الظلام وتهدأ الاجواء في هدوء وسكون بالغ ، لا يقطعه الا صوت عقارب الساعة تتحرك ببطيء ، وعينيها تنتقل بين الساعة وبين نافذة حجرتها ، قطرات خفيفة من المطر تلامس زجاج نافذتها وتجعل منه لوحة سريالية بديعة ، تمعن النظر في الزجاج ، تشعر ان هناك عيون كثيرة تبكي بجوارها وتسيل دموعها ، تنطلق مع هذا الاحساس ، تخنتق روحها وترتفع درجة حرارة وجهها لتنزل منها قطرات من الدموع تبلل وجنتيها الرقيقتين ، تغطي وجهها بيديها ، تمسح دموعها وترجع الي لحظة سعيدة من شريط ذكرياتها تقف عندها ، لتتحول دمعتها الي بسمة تمليء وجهها ، تبتسم بخفوت وضعف وتتمني لو استمرت هذه اللحظة السعيدة في حياتها وتوقف الزمن عندها

يحسبها الناس أسعد انسانة في الوجود وهي تري نفسها أتعس مخلوق علي وجه الأرض ، اتاها الله من الجمال ما تحسدها عليه بنات حواء ، ظروف نشأتها ونضجها جعلت منها حالة انسانية متفردة ، قلبها قلب صبية في العاشرة من عمرها وعقلها عقل حكيم علمته السنين واصقلته التجارب ، تمد يد العون لكل من حولها ، صديقاتها يستشرنها في كل شئون حياتهن الخاصة والعامة ، لا تبخل عليهن بشيء ، يثقن فيها دوما ، تتلفت حولها الان ، لا تري الا نفسها جالسة بمفردها ، لا أحد تبث اليه شجونها وألامها ، لا أحد يشاركها هذه اللحظة الطويلة المؤلمة

تغالب عينيها وتحاول ان ترغم نفسها علي النوم ، ولكن بلا جدوي ، يتسلل من بعيد الي مسامعها صوت ام كلثوم وهي تشدوا ب( هذه ليلتي ) ...
هذه ليلتي وحلم حياتي
بين ماض من الزمان ..وآت
… نعم فحياتها الان ما هي الا ماض تحمله معها ، وآت تنتظره ولاتعرف الي اين سيمضي بها وكيف سيكون ؟؟

يرتفع صوت الكلمات ليصل اليها اكثروأكثر لتسمع بوضوح

- سوف تلهو بنا الحياه.. و تسخر-

- ياااااااااااه كم تعبر عنها هذه الكلمات ، كم لعبت بها الدنيا وكم كان لهو الأقدار معها ، كم سخرت منها وجعلتها احيانا تضحك من نفسها وتعجب ، اذا كيف سارت في هذا الطريق ؟ وكيف اختارت هذا الاختيار؟ وكيف ارتضت ان تصل لما هي فيه الأن من وحدة وشجون ؟

تقوم من سريرها ، لتفتح نافذتها وتقف ترقب زخات المطر التي تبدوا بوضوح عند مصباح الانارة الضخم المواجه لمنزلهم

- وليكن ليلنا طويلاً طويلا –

- اه من طوله الذي فاق كل الحدود ، هل هي ليلة سرمدية لا تزول لتستمر في حالتها هذه؟

يا حبيبي طاب الهوى ما علينا
لو حملنا الأيام في راحتينا
صدفةٌ أهدت الوجود إلينا
و أتاحت لقاءنا فالتقينا
في بحارٍ تئنُ فيها الرياحُ
ضاع فيها المجدافُ و الملاحُ
كم أذل الفراقَ منا لقاءٌ
كل ليلٍٍ إذا التقينا صباحُ

اه من مرارة الفراق ، اه من طول الانتظار ، ينتظر الناس مسافرا او غائبا سيعود في يوم ما ، ولكن ماذا تنتظر هي ؟؟ لا يوجد اصلا من تنتظره ...! فلماذا تقف الأن في نافذتها ترقب ناصية الطريق وتلتفت مع كل ضوء يصدر عن سيارة تمر اسفل نافذتها ....

يا حبيباً قد طال فيه سهادي
و غريباً مسافراً بفؤادي
سوف تلهو بنا الحياه و تسخر

انه غريب غير معلوم لها ولا لأحد غيرها، قد يكون وهما أوخيالا او قبسا انار لحظة في السماء ثم انزوي وخفت بريقه وقد يكون حقيقة يضمرها الغيب ولم يأت بعد أوانها
هل هو بعيد عن أرضها؟ هل هو قريب من دارها ؟ قريب او بعيد ، في النهاية هو غير موجود ، اليست هذه سخرية لاذعة ؟ اذا استوي القرب والبعد فما الفارق الان ؟ لا شيء ............

فيك صمتي و فيك نطقي و همسي
و غدي في هواك يسبق أمسي

نعم كم كان الأمس مؤلما ولكن الغد سيكون أفضل بلا شك ، تطمئن نفسها وتنزع الخوف من داخلها ، ليس عندها قدرة ان تتحمل اكثر من ذلك ، ليس عندها صبرا أكثر يجعلها تنتظر طويلا

ترجع الي سريرها وتعتريها رعشة وبرودة تسري في أوصالها وتضع رأسها علي وسادتها وهي تردد

هذه ليلتي فقف يا زماني
سوف تلهو بنا الحياه.. و تسخر

1 comment:

أميرة الورد said...

مرحبا دكتور مصطفى
بصراحة عجز الكلام عن التعبير
اللوحة رائعة جدا
لدرجة لمحت نفسي بين ثناياها
يعطيك الف عافية
انتظر زيارتك لمدونتي الصغيرة
طلب
اريد ان اضع هذه الخاطرة بمدونتي "باسمك طبعا" اذا لم تمانع
تحياتي؛؛