سألت نفسي من هم المسيحيون ؟؟ من هم الجزء الثاني المكون لبلدنا التي طيلة تاريخها عاش فيها المصريين مسلمين ومسيحيين ومعهم اديان اخري بلا مشاكل من هم بين المصريين ؟ كيف يبدون ؟
هل هم دعاة الفتنة وتأجيج التعصب الذين يتاجرون بالقضية و يرتزقون منها ؟ هل هم المقتنعين بمحاضرة الانبا توماس في امريكا التي قال فيها اننا لسنا عرب واننا نشعر بالخيانةِ من إخواننا في الوطن ....!
هل هم من يقولون ان العرب كانوا محتلين وغزاة مجرمين وان مصر وطن مسيحي مغصوب من قبل المسلمين ويجب تحريره كما تقول مجلة الكتيبة الطيبة القبطية ؟ هل هم ايضا يقولون " المصريون من أصل عربى ضيوف .. واللى موش عاجبه يمشى ) كما نشرت روز اليوسف بتاريخ 20 / 12 / 2005 نقلا عن مجلة الكتيبة
قد يكون هؤلاء مسيحيين وبعضهم يدعي المسيحية وهو لا يدري من تعاليمها شيئا ولكن كم يبلغ عدد هؤلاء ؟ هل هم ممثلون للأمة القبطية بأسرها ؟
لا اعتقد ذلك .. انا مصري ومسلم ولدت في هذه الارض الطيبة ، ونشأت في بيئة بها مسلمين ومسيحيين ، كان من جيراننا مسيحيين ملتزمين يذهبون للكنيسة كل يوم أحد ويذهب ابناءوهم كل يوم جمعة صباحا مع معلميهم للكنيسة او لرحلة بتنظيم الكنيسة ويعودون الي بيوتهم كما كنا نذهب نحن الي المسجد ونمارس من خلاله انشطة اجتماعية مثل الرحلات ودورات كرة القدم وغيرها
وكان من جيراننا مسيحيين لا يذهبون الي الكنيسة ولا يهتمون بهذه الامور الدينية مثل بعض المسلمين لا يذهبون الي المساجد الا نادرا في الجنازات او الافراح ولا يشغل الدين عندهم جزءا كبيرا من اهتماماتهم
فرحنا كان واحد وحزننا كان واحد وهمومنا ومشاكلنا كانت واحدة فكلنا نعاني من نفس مشاكل الحياة اليومية في وطن منهك وليس هناك مشاكل لطرف دون أخر ، كان الوطن هو همنا وألمنا وجرحنا وحلمنا وفرحنا ونحن فيه شركاء أبد الدهر
لم اكن اشعر بحالة الاستقطاب الحادثة الان ، كل انسان يعبد ربه كما يريد وكما يعتقد وكما يؤمن فالله العدل هو من قال ( لا اكراه في الدين ) ، نلعب معا الكرة في الشارع وعندما تحين الصلاة ندخل نحن المسلمون – من يصلي فينا – للمسجد ليصلي ويعود الي اصدقائه الذين ينتظرون عودته وقد اوقفوا اللعب احتراما لوقت الصلاة ، في رمضان كان جيراننا المسيحيين يهدوننا اطباق قمر الدين والمشمشية والمهلبية بعد صلاة التراويح وفي نهاية رمضان يشاركوننا في عمل كعك العيد وعندما تنتهي فترة صيامهم نهديهم وجبات مطبوخة تحتوي كل انواع الاطعمة التي كانوا ممتنعين عنها اثناء ايام صيامهم ، كان الجو تلقائيا بلا تكلف ، يصدر عن نفوس متحابة تغلب مشاعر الاخوة الانسانية وحقوق الجوار علي اي شيء
كبرت وتخطيت مرحلة الطفولة وتبدل الحال وصحوت علي واقع مرير ، صارت هناك مشاكل خاصة لجزء من المصريين هم المسيحيون ، مشاكل تتعلق بكونهم مسيحيين فقط بعد ان كانت مشاكل كل المصريين واحدة يتشاركون فيها جميعا ويحملون نفس الهم
تغير احتكاك جيراننا بنا وضعف مع الايام وبعد ان كانت المنازل في الشارع مختلطة بها سكان ومسلمون ومسيحيون بدأت أري عمارات جديدة لا يسكنها الامسيحيون وتضع علي ابوابها صلبانا كبيرة بل اصبحت اجد شوارع كاملة وحواري يتركز بها المسيحيون في السكن
اشقائي الاصغر مني ليس لهم اصدقاء مسيحيين وفي الجامعة تجد اغلب الطلاب المسيحيين منعزلين وحدهم في جيتوهات اجتماعية بل صار لهم مكان معين يجلسون فيه مع بعضهم البعض وقلت نسبة الصداقة بين المسلمين والمسيحين كطلاب
وتغيرت الصور الذهنية عند كلا الطرفين تجاه الاخر فالمسيحيون يقول بعضهم لابناءهم لا تتعاملوا مع المسلمن حتي لا يغضب عليكم الرب وحتي لا يفسدوا عقيدتكم والمسلمون يقول بعضهم لابناءه لا تأكل طعام المسيحين ولا تصاحب اي زميل مسيحي حتي تظل مسلما ويرضي عنك الله
وانطلقت الافاعي من جحورها تكرس الاستقطاب وتضاعف عزلة الطرفين وانكفاء المسيحين الي الكنيسة التي تغير خطها من التسامح الي تبني خطاب طائفي والتحدث باسم ملايين المسيحين كأنهم رعايا دولة اخري داخل دولة اكبر ، مما جعل المسيحيون يتترسون بالكنيسة وينعزلون عن المجتمع ، فلم يعد هناك قبطي ينجح في الانتخابات مثل العظيم مكرم عبيد ولم يعد المسيحيون مشاركين في الاصل في الحياة العامة الا بأعداد قليلة للغاية
واصبح المسيحيون بلا ارادة منهم ورقة لنظام غير ديموقراطي لا يعنيه الا البقاء ولو علي اشلاء الوطن ، يلعب بهم ويوظفهم سياسيا في الداخل والخارج ويساعد احيانا في تأجيج الفتن التي ربما يكون هو المستفيد منها في مساحات وحسابات أخري
ووجد بعض اعداء الاديان فرصة في استغلال المسيحيين ايضا للهجوم علي كل ما يمت للدين بدعوي العلمانية ، فصدروا لهم فزاعة الاسلاميين والدولة الدينية التي ليس لها وجود الا في خيالهم ، فرأينا من المسيحيين من يحمل لواء العلمانية المتطرفة التي تحارب الدين ، رغم انه لو فكر لعلم ان المسيحيين لو طبقت عليهم العلمانية المتطرفة كنظام سيكونوا اول المضارين ومثال بسيط هوعقد الزواج المدني الذي سيمنع المسيحين من عقد الزواج الكنسي والذي سيفتح مسألة تعدد الزوجات خلافا للتعاليم الكنسية القائمة التي تعتبر الزواج الثاني زنا وهذا مثال بسيط لما ستجنيه العلمانية المتطرفة علي المسيحيين قبل المسلمين
وعي الجانب الاخر نشط متطرفون يدعون الانتماء الي الاسلام يزيدون من حرارة الاستقطاب ورفض الاخر والمخالف دينيا ضاربين بمبدأ حرية العقيدة عرض الحائط
وغاب صوت العقل وباتت صور الوحدة الوطنية وتبادل القبلات الرسمية مشهدا مملا وسخيفا بين الشيوخ والقساوسة
لكن في داخلي رغم كل ما حدث ما زلت أؤمن ان المسيحيين ليسوا الانبا توماس صاحب الخطاب الطائفي الشهير وليسوا المتاجرين بالقضية والمتهجمين علي هوية الامة
ما زلت اري المسيحيين هم المصريين الطيبين ، هم جرجس العامل البسيط في شركة الكهرباء الذي يخرج كل يوم مع عم ربيع المسلم ليقوموا بانارة اعمدة الكهرباء لكل المصريين ويتكهربوا معا من الاعمدة ولكن يضحكون معا ويدعون ربهم بالستر ، هم مدام ماريانا الموظفة المصرية المطحونة والتي تعبت من سيارتها الفيات 28 المتهالكة كعدد كبير من المصريين ، هم دكتور سمير الذي هو امهر طبيب في منطقتنا يذهب اليه المسلمون قبل المسيحيين ثقة في مهارته واخلاقه ودماثة خلقه ، هم فيولا المصرية ام ابانوب وروماني وكرستين التي ترسلهم الي استاذ محمود ليذاكر لهم دروسهم ويعلمهم ، هم هاني الشاب المصري الذي يعاني من البطالة كملايين الشباب ويبحث عن عمل في أي مكان ، هم عم وحيد المواطن المصري الذي حلم حياته ان يزوج بناته الثلاث ويطمئن عليهم ويحاول ان يدبر ويقتصد ويدخل في جمعيات مع جيرانه حتي يستطيع تجهيز بناته للزواج
المسيحيون ليسوا كلهم نجيب ساويرس وليسوا كلهم الاثرياء تجار الذهب وملاك القصوروليسوا يقبضون مرتبات شهرية سخية من الكنيسة ، هم مصريون عاديون يعانون نفس معاناة حياتنا اليومية ، من شذ منهم وتطرف ردا علي تطرف مسلمين فهو استثناء ، من انسلخ منهم عن الحضارة العربية العظيمة ورفض هويته العربية وتبرأ منها فهو لا يعبر الا عن نفسه ، اما السواد الاعظم من المسيحيين فهم بسطاء لا يعرفون الكراهية وهم ضحايا دعاة التحريض وارباب التطرف ودعاوي الطائفية وتهييج المشاعر وتزييف الاحداث ، هم ضحايا الكنيسة التي ارتضت ان تسير في ظل النظام ظنا انه افضل خيارا من الديموقراطية ونتائجها ، هم ضحايا النظام الذي يخوفهم ويطلق الفزاعات المختلفة في وجوههم ليكرس الانقسام والتعصب بينهم وبين بقية المصريين ليظلوا معزولين داخل وطنهم الذي لهم به كل الحقوق مثل كل ابناء الوطن ، هم ضحايا نظام قمع الحريات وفتت المجتمع وجمد مفاصله ، هم ضحايا كملايين المصريين من المسلمين ، الكل سواء ، ومع القمع وغياب الديموقراطية والمناخ الايجابي تختفي ثقافة التسامح ويحل مكانها الكراهية والتمييز والاضطهاد بين المضطهدين انفسهم
ايها المسيحيون اخرجوا من كنائسكم وعودوا الي وطنكم الاكبر مصر التي ستظل وطنكم مثلما هي وطن لاخوانكم المسلمين ، اعتزوا بحضارتكم العربية التي كنتم فيها شركاء مع المسلمين ، لا تتخلوا عن هويتكم ولا تنسلخوا عنها ،هويتنا نحن المصريون هي الهوية المصرية العربية الاسلامية والمسيحية صاحبة الخصوصية الفريدة
تبرئوا من المتاجرين بقضاياكم واعلنوا ان عهد تغييب العقول قد مضي
ايها المسلمون : عودوا لتعاليم دينكم الذي يأمركم بالتسامح وبحرية الاعتقاد لكل انسان خلقه الله ، اوقفوا المتطرفين الذين يشعلون الحرائق ويشقون صف الامة المصرية ، ادوا عهد نبيكم الذي اوصاكم باخوانكم الاقباط خيرا وحذركم من انه ( ص ) سيكون خصيما لكل من اذي احدا منهم
عدوكم واحد وحلمكم واحد وألمكم واحد وفرحكم واحد ، تكتلوا معا من اجل مستقبل افضل لناجميعا ، لا تطالبوا بمطالب طائفية فهذه كلها مسكنات وانما يكمن العلاج الجذري لكل داء وألم في شمس الحرية التي غابت عن وطننا كثيرا ، ستنتهي مشاكلنا كلها عندما نصبح احرارا في وطن حر يحترم الانسان واختياراته وتغدوا الديموقراطية هي الضمانة التي تحفظ سلامة المجتمع بكل اطيافه، عيشوا مصريين وموتوا مصريين ، فمصر وطن يحوي الجميع
مصري
4 comments:
نعم..انا اقف الى جانبك استاذي مصطفى..بكل صراحة..هاته هي الدعوة التي كنت اريد ان اكتب عنها هاته شهور..نعم..فالمسيحي و المسلم اخوة..وهم ضحايا من يبرمجون عقليتهم تجاه الاخر..سواء الصحف او التلفزيون او المواعظ..كل ما نريده من المسؤولين و رجال الدين المسلمين و المسيحيين..هو ان لا يعلوا ابناءهم و من تحتهم نبذ كل من هو مخالف لعقيدته..بل تعليمهم كيفية العيش معا و التفاهم و التعاون في جو اخوي و مسالم..شكرا لم استاذي مصطفى على هاته البادرة الحسنة
للاسف كل هذه الظواهر نتاج للوضع اللاديمقراطي الذي نحياه الان والنظام يستخدم واحيانا يشجع على الفتنة الطائفية فهي ملف مثل ملف الاخوان لترويع الغرب من وصول الإسلاميين للحكم وعدم فتح ملفات حقوق الإنسان
المسلمون والمسيحيون واليهود عاشوا على أرض مصر بكل الحب وبدون فارق بين أحد في ظل قليل من الحرية
أحييك على اسلوب العرض ولكنها مقالة رومانسية خيالية لاتمت الى الواقع بصلة فلا المسيحيون طيبون يعيشون بسلام دون محاولات تنصير هنا أو هناك ولا المسلمون طيبون لا يكرهون المسيحيون بل انك تجد في كل وقت خوف وقرف وكره للمسيحيين
سامحني ان كان في ردي عنف ولكنها الحقيقة التي أراها ليل نهار من واقع حياتي التي تجمعني بمسلمين ومسيحيين
أدعوكم إلى قراءة تلخيصاً لمجموعة من الأبحاث العلمية تتناول الطائفية وحقوق المواطنة في عدة بلدان في الشرق الأوسط وأوروبا.
Post a Comment