يا رفيقي ..
يا رفيقي ما زلت أذكر يوم لقائنا الاول حين طلبت مني أن أرافقك الخطوات نحو تحقيق الحلم ، ما زلت أذكر عهدي لك بأن لا أخذلك ولا أتركك وحدك وسط هذه العواصف الهوجاء ، قبل لقاءنا لم يكن عندي أمل في صناعة شيء ، كنت أشعر بعبثية كل الأشياء وكل المحاولات
كنت قد أغلقت عليّ باب داري وانشغلت بقيثارتي أعزف عليها ألحاني وبقلمي أخط به تأملاتي ومشاعري وأكتفي من الحياة بأدوار ومهام لا أتعامل فيها مع بشر كثيرين ، لأنني كنت قد سئمت من البشر وقررت أن أصنع عالمي المغلق والمميز والذي لا أجد فيه مكانا الا لعدد محدود من البشر
قررت معك أن أخرج من عالمي الشخصي الي عالم البشر بكل ما فيه من مخاطر وألام وأحزان وأفراح ، كنت أعلم انه الاختيار الأصعب ولكنني وافقت لما وجدته فيك من اخلاص للفكرة وتجرد لها ولما وجدته فيك من قوة في الحلم والأمل والتصميم علي النجاح ، قلت لي سنصنع تجربة مختلفة فنحن لسنا أصحاب غرض و منفعة شخصية ونحن لا نحتاج من أحد شيئا ، ولا نعاني من نقص و عقد نفسية نحاول استكمالها بما نفعل ، بل نحن والحمد لله قد حققنا ذواتنا ونجحنا كل في طريقه ومجاله ، وأصبح الناس يشيرون الينا بعلامات الاحترام والتقديروالحب ، لسنا علي عداوة مع أحد ، نحن لا نبغض أحد ولا أحد يبغضنا ، نحن لا نرفض أحد ولا أحد يرفضنا ، نحن حالة مثالية تجمع ولا تفرق ، تؤلف ولا تبغض ، فلنضع كل ما لنا من رصيد وماض مشرف لخدمة هذا الحلم
عانقت احلامي احلامك وتمازجت وقررنا ان نمضي معا علي الدرب ، ظهرك يحمي ظهري وظهري يحمي ظهرك نكمل بعضنا بعضا ، نوجه الدفة نحو المسير والغاية ، نجمع الجهود ونؤلف القلوب ، نتحمل كل جهد وبذل من أجل ان ينجح الحلم ، احلامنا كانت بريئة بقدر براءتنا ، لم نتجمل ولم نتصنع ، تعاملنا مع الناس بفطرتنا وصممنا ان نظل كذلك والا يغيرنا شيء و الا نفقد نقاءنا وطهرنا مهما كان الثمن
أجلنا كل أحلامنا الشخصية وأوقفنا حياتنا الخاصة وصارت كل أحلامنا للوطن وأضحت حياتنا لا شيء فيها سوي هذا الحلم ، أوقاتنا كلها ، جهودنا ... كل شيء ، من يرانا يعجب لحالنا ...! ويتساءل ؟ كيف يعيش هؤلاء . كيف تسير حياتهم بهذا الشكل ، ان أنفاسهم تنطق بالحلم ونبضات قلوبهم تهتف له وخلجات نفوسهم تحتضنه كوليد رضيع يضمه ابواه ...!
كنا غريبين ومثار دهشة وتعجب للكثيرين ، اتذكر كم سألنا الكثيرون ؟ وماذا عليكم بكل هذا ؟ لماذا تحتملون كل هذه الضغوط والالام الرهيبة ؟ لماذا تتركون نجاحاتكم الماضية والحالية وتخاطرون بكل شيء ؟ ما الذي يستحق كل ذلك ؟ لقد كنا نبتسم ونتبادل النظرات ونقول لهم : انه قدرنا الذي لا نستطيع ان نهرب منه .. انه الواجب الذي لا نستطيع الفكاك منه ، انه الثأر لملايين الفقراء والمعذبين والمهمشين والمظلومين في هذه الأرض ، انه الوفاء لدماء الشهداء الذين رووا بدماهم ثري هذه الأرض لتشرق فيها شمس الحرية ثم جاء عشاق الظلام ليطفأوا نور الحرية ويسرقوا وطنا بأكمله نحو الضياع انه الحلم الذي حلمه معنا الملايين وقد عاهدناهم الا نخذلهم أبدا
تذكر يا رفيقي ، كم أتي الينا من يرغبنا ويحاول أن يستميل قلوبنا في اتجاهات أخري ، تذكر يا رفيقي كم أتي الينا من يرهبنا ويزرع فينا الخوف ويهددنا ان استمرت خطواتنا ، هل تذكر ماذا كنا نفعل ؟؟ كنا نبتسم نفس الابتسامة في نفس الوقت ، تلك الابتسامة التي تحمل السخرية من هؤلاء والاشفاق عليهم والتحدي لهم ، بات واضحا للجميع أننا لا نمزح وأننا لن نتراجع مهما كانت التحديات والمعوقات التي يضعونها في طريقنا
،
سارت خطواتنا تتقدم وتتعثر ، نسقط ونقاوم ونعيد الوقوف ، نتعلم من الأخطاء ونكمل التجربة غير عابئين بما نلقي ، لكن لم نتخيل يوما أن الطعنات في الظهر قد تأتي ممن نراهم أقرب الناس الينا ، لم نتخيل يوما أن الخطر قد يكون من الداخل قبل أن يكون من الخارج ، انه شعور قاس ومميت ، الشعور بعدم الامان وعدم الثقة ، الشعور بالخطر الدائم فنحن لم نعد ندري من أي مكان ستاتي الطعنة ، كما تعودنا وقفنا برجولة في ساح المواجهة وظهورنا لبعضنا نتلفت حولنا ونتلقي الضربات ، ليت الضربات كانت شريفة ، ليت الطعنات كانت مباشرة ، لعل الخسة والنذالة تستحي مما وجدناه ، لعلنا نظلم هذه الصفات ان نعتنا بها ما واجهناه ، ان خفافيش الظلام تعرف أين تضرب وأين تلقي بأوساخها لتنال من خصومها متجاوزة كل عرف وخلق وقيمة ، فهي قد تجردت من كل ذلك وتسلحت بكل صفات الزور و الدناءة والنقص والخلل البشري الذي لا يتوقف
كنت تواسيني وانت تري الدمع في عيني وتحاول ان تربت علي كتفي ولكني في نفس الوقت كنت اري دموعا خلف عينيك ، وصرخات ألم تصرخ بداخلك ، كنا نحتاج الي من يواسينا معا ، كنا نحتاج الي من يهديء روعنا ويمسح عنا هذا الألم ، فلا اقسي علي النفس من الخيانة ولا أصعب علي القلب من الظلم والادعاء
يا رفيقي .. كنا نعتقد ان معركتنا هي معركة واحدة ضد عدو واحد ، ولكن للأسف وجدنا ان معركتنا ليست معركة واحدة بل هي معارك عدة وجبهات مختلفة ، تحتاج منا ان نقاتل فيها علي التوازي ، ومعركة ليست ككل معركة ، انها معركة صعبة وعسيرة ، انها معركة ضد النقص البشري والمرض الانساني ، انها معركة ضد نفوس تشوهت ، وقلوب صدأت وتجلخت فلم تعد تميز بين ما هو شر وخير وما هو صواب وما هو خطا ، انها معركة ضد عقول حائرة ومهزوزة ومشوشة ، لا تري السيء سيئا وان راته فهي أجبن من أن يكون لها موقف تجاهه ، انها معركة ضد الحمق وحسن النية المعلول الذي يهدم ولا يبني ويفرق ولا يجمع ، انها معركة ضد تلون الحرباء ومكر الثعالب وخسة الذئاب ، انها معركة ضد التخلف وغياب العقل ووسوسة النفوس المعتلة ، لم نعد ندري من أين نبدا ؟؟؟
هل نبدأ بالرأس كما كنا نتخيل انه واجب الوقت وأولويته ؟ أم أن هناك جثة متيبسة فاحت منها رائحة العطن والعفن والأسن وتحتاج الي مغسل يطهرها وينزع عنها أدرانها حتي تعود اليها الحياة وتنتقل الي الرأس ؟؟؟؟!!
ليس عيبا ان نعترف الان ان بوصلتنا حائرة عقاربها ، لا تعرف في أي اتجاه تتوقف ، فلدغات عقارب البشر أجهدت بوصلتنا وجعلتها تدور بلا توقف ، لندور معها ونلف في دوائر ونعود الي حيث بدأنا
انه شعور قاس بلا رحمة ، شعور يجعلنا نتمني الموت قبل أن نصل الي هذه اللحظات ، ان الشعور بعبثية كل الاشياء شعور مميت ، انه يجعل حياتنا بلا معني ، وجهودنا بلا قيمة
لا تنظر في عيني الأن يا رفيقي ، فلن تجد الا الدموع ، ولا تطلب مني أن أمنعها ، انها تنهمر بلا توقف ، انها تبكي لحظات المسير ، ونبضات الأمل ونسمات الحلم وخفقات اليقين ، لا تنتظر مني الأن أي شيء فأنا لا اريد اي شيء وليس لي رغبة في أي شيء ، اصعب ما يجرحني الأن هو احساسي أنني أتخلي عنك وأتركك وحدك مكشوف الظهر تتلقي الطعنات وحدك ، ولكن أرجوا أن تعذرني فأنا مجهد الجسد والروح ، اثقلتني الأحزان وأقعدتني ، لا استطيع الحراك ، ان هذا العالم لو غني معي الان فلن يغني الا لحن الالم ، سامحني يا صديقي ، ساعود الي كهفي الأول وعالمي الصغير الذي خرجت منه يوما ما حالما هذا الحلم الجميل ، ربما حلمنا في الوقت الخطا ومع البشر الخطأ ، ربما نكون نحن الخطأ ، ربما أعود اليك يوما وأكمل معك المسير ، وربما لا أعود ... ولكن علي كل حال لقد تعلمت منك الكثير ورايت منك الكثير ، ربما تكون أنت المكسب الوحيد الذي سيظل معي وخرجت به من هذه الجولة من الحياة ...
يا رفيقي دمت بنقاء وصفاء ووفاء