عشان اللي عنده لبس يفهم ويعرف ايه الموضوع أقتبس هذا المقال
محاولة لفهم ما جرى في غزة
[19:33مكة المكرمة ] [19/06/2007]
بقلم: فهمي هويدي
فهمي هويدي
هل الذي حدث في غزة انقلاب أم أنه إجهاض لانقلاب؟ هذا السؤال ألحَّ عليَّ بشدةٍ حين تجمَّعت لدَّي مجموعة من الشهادات والوثائق المهمة ذات الصلة بالموضوع، وها أنا أضع خلاصاتها وبعض نصوصها بين يديك, كي تشاركني التفكير في الإجابة على السؤال.
(1)
يوم الخميس الماضي 14/6 نشرت صحيفة "يونجافليت" الألمانية تقريرًا لمعلقها السياسي فولف راينهارت قال فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش خططت منذ فترةٍ طويلةٍ لتفجير الأوضاع الداخلية الفلسطينية, وتحريض تيارٍ موالٍ لها داخل فتح على القيام بتصفياتٍ جسديةٍ للقادة العسكريين في حركة حماس.
وقد تحدَّث في هذا الموضوع صراحةً الجنرال "كيث دايتون" مسئول الاتصال العسكري الأمريكي المقيم في تل أبيب, في جلسة استماع عقدتها في أواخر أيار الماضي لجنة الشرق الأوسط بالكونجرس الأمريكي.
وفي شهادته ذكر الجنرال دايتون بأن للولايات المتحدة تأثيرًا قويًّا على كافة تيارات حركة فتح، وأن الأوضاع ستنفجر قريبًا في قطاع غزة, وستكون عنيفةً وبلا رحمة.
وقال إن وزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات المركزية ألقيتا بكل ما تملكان من ثقلٍ, في جانب حلفاء الولايات المتحدة و"إسرائيل" داخل حركة فتح.
كما أن تعبئة الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية ضد حماس, يُمثِّل خيارًا إستراتيجيًّا للإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما يُفسِّر أن الكونجرس لم يتردد في اعتماد مبلغ 59 مليون يورو لتدريب الحرس الرئاسي في بعض دول الجوار, وإعداده لخوض مواجهةٍ عسكريةٍ ضد حركة حماس.
أضاف المُعلِّق السياسي للصحيفة الألمانية أن التيار الأمريكي "الإسرائيلي" داخل فتح لم ينجح رغم كل الدعم السخي الذي قُدِّم إليه في كسر شوكة حماس، وهو ما دفع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى استدعاء خبرتها السابقة في جمهورية السلفادور, وتوجيهها للعناصر الفتحاوية المرتبطة بها لتشكيل فرق الموت لاغتيال قادة وكوادر حماس, وتحدَّث راينهارت في هذه النقطة عن خيوطٍ كثيرةٍ تربط بين فرق الموت والحرس الرئاسي الفلسطيني والمستشار الأمني النائب محمد دحلان, ونسب إلى خبيرة التخطيط السياسي بالجامعات "الإسرائيلية" د. هيجا ياو مجارتن" قولها إن دحلان مُكلَّف من وكالة المخابرات المركزية وأجهزة أمريكية أخرى, بتنفيذ مهمة محددة, هي تصفية أي مجموعات مقاومة لـ"إسرائيل" داخل وخارج حركة حماس.
(2)
في 10 كانون الثاني الماضي, وجه رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية رسالةً إلى رئيس السلطة أبو مازن, نصها كما يلي:
"نهديكم أطيب التحيات, ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.. لقد توافرت لنا بعض المعلومات في الآونة الأخيرة, تشير إلى خطةٍ أمنيةٍ تهدف إلى الانقلاب على الحكومة والخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني، ويمكن إيجاز هذه المعلومات في النقاط التالية:
- إدخال كميات ضخمة جدًّا من السلاح لصالح حرس الرئاسة, من بعض الجهات الخارجية, بمعرفة ومباركة من أمريكا وإسرائيل.
- تشكيل قوات خاصة من الأمن الوطني تُقدَّر بالآلاف لمواجهة الحكومة الفلسطينية والقوة التنفيذية واعتماد "مقر أنصار في غزة" مقرًا مركزيًّا لها.
- تجهيز هذه القوات بالسيارات والدروع والسلاح والذخيرة وصرف الرواتب كاملةً للموالين.
- تعقد اجتماعات أمنية حساسة لعددٍ من ضباط الأمن الفلسطيني في مقر السفارة الأمريكية حيث تناقش فيها خطط العمل.
- البدء بإجراءات إقالة لعددٍ من الضباط واستبدالهم بشخصياتٍ أخرى, مع العلم أن لجنة الضباط هي المختصة بهذه الشئون, كذلك تعيين النائب محمد دحلان من طرفكم شفاهيًّا كقائد عام للأجهزة الأمنية, وفي ذلك مخالفة قانونية.
- تهديد الوزراء ورؤساء البلديات بالقتل؛ حيث تم الاعتداء على الوزير وصفي قبها وزير الأسرى, وإعلامه عبر مرافقه أن الاعتداء القادم سيقتله، وكذلك تمَّ تكليف أحد ملياردي فتح من غزة بتصفية الوزير عبد الرحمن زيدان- وزير الأشغال والإسكان مقابل 30 ألف دولار.
الأخ الرئيس: بناءً على ما سبق وغيره الكثير من المعلومات التي نمتلكها, فإننا نُعبِّر عن بالغ أسفنا إزاء ما ورد؛ حيث إن ذلك يهدد النظام السياسي الفلسطيني, والنسيج الوطني والاجتماعي ويُعرِّض القضية برمتها للخطر.. نرجو منكم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لحمايةِ شعبنا وقضيتنا, ونحن سنظل أوفياء وحريصين على وحدة الشعب ولحمته، واقبلوا وافر التحية".
في الوقت الذي أرسل فيه السيد إسماعيل هنية هذا الخطاب إلى أبو مازن, كانت أمامه معلومات محددة حول بعض تفصيلات الإعداد للخطة الأمنية, التي منها على سبيل المثال: تعيين محمد دحلان قائدًا عامًا للأجهزة الأمنية- اختيار 15 ألف عنصر من الموالين لتشكيل قوة خاصة في الأمن الوطني لمواجهة حماس- دخول 150 سيارة جيب مزودة بأجهزة الاتصال اللاسلكي-توفير 2000 مدفع كلاشنكوف، إضافةً إلى ثلاثة ملايين رصاصة وتوفير الملابس الخاصة والدروع للقوة الجديدة- إعادة بناء كافة الأجهزة الأمنية وإقالة 15 من قادتها واستبدالهم بآخرين موالين- إقالة 185 من ضباط الأمن الوطني لتنقية صفوف الجهاز من غير الموثوق في موالاتهم.
إلى جانب هذه المعلومات, كانت هناك مذكرة بخط الفريق عبد الرازق المجايدة (منسق الأجهزة الأمنية) كُتبت على ورقة تحمل ختم ديوان الرئاسة, تحدثت عن مطالب موجهة إلى الأجهزة الأمنية وخاصةً الأمن الوطني, تضمنت سبعة بنود, من بينها وضع خطة العمليات وفرز الـ15 ألف عنصر المرشحين للقوة الجديدة, وحصر كميات الأسلحة والذخائر المتوفرة.
في هذا الجو المسكون بالشكوك والهواجس, أصدرت وزارة الداخلية تصريحًا صحفيًّا في 6/2 الماضي, أعربت فيه عن استنكارها وإدانتها للطريقة التي يتم من خلالها إدخال السيارات والمعدات اللوجستية من المعابر الحدودية بصورةٍ سريةٍ وبتعتيمٍ مريب, على نحو يتم فيه تجاوز الحكومة ووزارتها المختصة.
وذكر البيان أن وزارة الداخلية تُحمِّل الجهات التي تقف وراء هذه العملية كامل المسئولية عن أية تداعيات تنجم عن هذا الأسلوب المرفوض وطنيًّا وقانونيًّا.
(3)
يوم 6/6 نشرت صحيفة "هاآرتس" أن جهات في حركة فتح توجهت أخيرًا إلى المؤسسة الأمنية في "إسرائيل" طالبةً السماح للحركة بإدخال كميات كبيرة من العتاد العسكري والذخيرة من إحدى دول الجوار إلى غزة, لمساعدة الحركة في معركتها ضد حركة حماس، وأضافت الصحيفة أن قائمة الأسلحة والوسائل القتالية تشمل عشرات الآليات المصفحة والمئات من القذائف المضادة للدبابات من نوع "آر.بي.جي", وآلاف القنابل اليدوية وملايين الرصاصات، كما ذكرت أن مسئولي فتح تقدَّموا بطلباتهم في لقاءاتٍ مباشرةٍ مع مسئولين "إسرائيليين", كما أن المنسق الأمني الأمريكي الخاص في المناطق الفلسطينية المحتلة الجنرال كيث دايتون نقل طلبًا مماثلاً إلى "إسرائيل".
أضافت الصحيفة أن إسرائيل سمحت لفتح في السابق بتلقي كميات من الأسلحة شملت 2500 بندقية وملايين الرصاصات.. وقد تقرر إدخال الآليات المصفحة التي لا تعتبر سلاحًا يُشكِّل خطرًا على الدولة العبرية، لكنها استبعدت الموافقة على طلب تلقي قذائف صاروخية, لخشيتها في أن تقع بيد حماس.
نقلت الصحيفة عن الرئيس أبو مازن قوله في أحاديث مغلقة إن أمله خاب من رفض "إسرائيل" السماح بإدخال الأسلحة المطلوبة لفتح, وأضافت أن ثمة خلافًا في الرأي داخل المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" بخصوص الموضوع, خصوصًا أن غالبية خبراء جهاز الأمن العام (شاباك) ومكتب تنسيق شئون الاحتلال يعتقدون أن فتح ضعيفة للغاية في القطاع, وقد تنهار في المواجهة مع حماس, رغم الجهد الذي يبذله النائب محمد دحلان لتشكيل وتعزيز قوة مسلحة جديدة لفتح, تُسمَّى القوة التنفيذية, ردًّا على تنفيذية حماس.
في 13/6 ذكرت صحيفة "معاريف", نقلاً عن مصادر في الأجهزة الأمنية, أن سقوط مواقع الأمن التابعة للسلطة في أيدي حماس, يدلل على خطأ الرأي القائل بوجوب تقديم الدعم العسكري لحركة فتح؛ لأن ذلك السلاح سيعد غنيمةً تقع بأيدي حماس, وهو الرأي الذي تبناه "أفرايم سنيه" نائب وزير الدفاع, الذي طالما ضغط على وزير الدفاع للسماح لفتح بتلقي رشاشات ثقيلة لتعزيز موقفها في مواجهة حماس، وأضافت "معاريف" أن جميع قادة الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" يرغبون في انتصار فتح, إلا أنهم يرون أنه من الخطأ عدم التحوط لنتائج انتصار حماس.
(4)
يوم الجمعة 15/6 وهو اليوم التالي مباشرةً لاستيلاء حماس على مواقع الأجهزة الأمنية في غزة, ذكرت النسخة العبرية لموقع "هاآرتس" على موقعها على شبكة الإنترنت أن كلاًّ من الإدارة الأمريكية والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفقا على خطة عمل محددة لإسقاط حكم حماس, عن طريق إيجاد الظروف التي تدفع الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة لثورة ضد الحركة، وأشارت الصحيفة إلى أن خطة العمل, التي تم التوصل إليها بين "الجانبين" تضمنت الخطوات الآتية:
1- حل حكومة الوحدة, وإعلان حالة الطوارئ؛ لنزع الشرعية عن كلِّ مؤسسات الحكم التي تُسيطر عليها حماس حاليًا في قطاع غزة.
2- فصل غزة عن الضفة الغربية والتعامل مع القطاع كمشكلةٍ منفردة, بحيث تقوم الإدارة الأمريكية وعباس بالتشاور مع "إسرائيل" والقوى الإقليمية والاتحاد الأوروبي لعلاج هذه المشكلة, ولا تستبعد الخطة أن يتم إرسال قوات دولية إلى القطاع.
3- تقوم "إسرائيل" بالإفراج عن عوائد الضرائب, وتحويلها إلى عباس الذي يتولى استثمارها في زيادة "رفاهية" الفلسطينيين في الضفة, إلى جانب محاولة الولايات المتحدة إقناع إسرائيل بتحسين ظروف الأهالي في الضفة لكي يشعر الفلسطينيون في قطاع غزة بأن أوضاعهم لم تزدد إلا سوءًا في ظل سيطرة حركة حماس على القطاع, الأمر الذي يزيد من فرصة تململ الجمهور الفلسطيني في القطاع ضد حماس, وبالتالي التمرد عليها.
4- اتفق عباس والإدارة الأمريكية على وجوب شن حملات اعتقال ضد نشطاء حماس في الضفة الغربية, من أجل ضمان عدم نقل ما جرى في القطاع إلى الضفة.
5- إحياء المسار التفاوضي بين "إسرائيل" والحكومة التي سيعينها عباس في أعقاب قراره حل حكومة الوحدة الوطنية.
أشارت الصحيفة إلى أن أبو مازن حرص على إطلاع مصر والأردن على القرارات التي توصَّل إليها قبل إعلانها, مشيرةً إلى أن أبو مازن طالب الدولتين بتأييد قراراته وقطع أي اتصالٍ مع حكومة حماس في القطاع.
في الوقت ذاته, خرج كبار المسئولين في "إسرائيل" عن طورهم وهم يشيدون بقرار أبو مازن حل الحكومة وإعلانه الطوارئ.. فقال وزير الحرب "الإسرائيلي" عمير بيرتس وزير الحرب- قبل تعيين باراك مكانه- إن ذلك القرار ساهم في تقليص الآثار السلبية جدًّا لسيطرة حماس على القطاع, واعتبر أن الخطوة تمثل مصلحةً إستراتيجيةً عليا لـ"إسرائيل".
من ناحيةٍ أخرى ذكرت صحيفة "معاريف" في عدد الجمعة 15/6 أنه في ظل قرار أبو مازن حل حكومة الوحدة الوطنية, فإن "إسرائيل" تدرس بإيجابية إمكانية الإفراج عن مستحقات الضرائب التي تحتجزها, لكي تحولها إلى الحكومة الجديدة، وأشارت الصحيفة إلى أن "إسرائيل" قد تعلن عن قطاع غزة ككيان عدو, ومن غير المستبعد أن يتم قطع الكهرباء والماء عن القطاع, خصوصًا إذا استمر إطلاق الصواريخ منه.
على صعيدٍ آخر قالت "إسرائيل" إنها تراهن بقوةٍ على تعاون الدول العربية, ورئاسة السلطة الفلسطينية معها في عدم السماح لحركة حماس بترجمة إنجازاتها العسكرية إلى مكاسب سياسية, معتبرةً أن التطورات الأخيرة تحمل في طياتها تحولات إقليمية بالغة الخطورة على "إسرائيل".
وقال الجنرال عاموس جلعاد- مدير الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع "الإسرائيلية" والمسئول عن بلورة السياسة "الإسرائيلية" تجاه الضفة الغربية وقطاع غزة-: "إن إسرائيل تحتاج أكثر من أي وقتٍ مضى لمساعدة الدول العربية, وتحديدًا مصر في مواصلة خنق حركة حماس, لا سيما بعد إنجازها السيطرة على كامل قطاع غزة, معتبرًا أنه في حال لم يتم نزع الشرعية عن وجود حركة حماس في الحكم, فإن هذا سيكون له تداعيات سلبية جدًّا على "إسرائيل"، وفي مقابلة مع الإذاعة "الإسرائيلية" باللغة العبرية ظهر الجمعة 15/6 عدد جلعاد مطالب "إسرائيل" من الدول العربية بشأن إحكام الخناق على حركة حماس, معتبرًا أن الدول العربية "المعتدلة" مطالبة بنزع أي شرعيةٍ عربيةٍ أو دوليةٍ عن حكومة الوحدة الوطنية وعدم إجراء أي اتصالاتٍ معها, وأن الحصار العربي لحكومة الوحدة الوطنية هو مطلب أساسي وحيوي لنجاح الحصار على الحكومة الفلسطينية.
وحذَّر جلعاد من أنه في حال لم تُقدم الدول العربية على هذه الخطوة, فإن الكثير من دول العالم ستعترف بوجود حماس في الحكم وستستأنف ضخ المساعدات للفلسطينيين.
أضاف الرجل أن أبو مازن أصبح مهمًّا للغاية لإسرائيل الآن, إذ هو وحده الذي يستطيع تقليص الآثار السلبية لسيطرة حماس على غزة، غير أن بنيامين إليعازر وزير البنى التحتية قال في تصريحاتٍ للإذاعة إن على إسرائيل أن تتحوَّط للوضع الدراماتيكي الجديد بكل حذر، وشدد على وجوب بذل كل جهدٍ ممكن لإقناع الدول العربية بالوقوف إلى جانبها في حربها ضد حماس.
في ذات الوقت أشار عوديد جرانوت معلق الشئون العربية في القناة الأولى للتلفزيون "الإسرائيلي" ظهر الجمعة إلى أن قرار أبو مازن حل حكومة الوحدة الوطنية يُمثل مصلحةً لـ"إسرائيل" من حيث إنه يعني إسدال الستار على اتفاق مكة.. هل فهمتَ ما فهمتُه أنا؟.
--------
* نقلاً عن جريدة (العرب اليوم) الأردنية
[19:33مكة المكرمة ] [19/06/2007]
بقلم: فهمي هويدي
فهمي هويدي
هل الذي حدث في غزة انقلاب أم أنه إجهاض لانقلاب؟ هذا السؤال ألحَّ عليَّ بشدةٍ حين تجمَّعت لدَّي مجموعة من الشهادات والوثائق المهمة ذات الصلة بالموضوع، وها أنا أضع خلاصاتها وبعض نصوصها بين يديك, كي تشاركني التفكير في الإجابة على السؤال.
(1)
يوم الخميس الماضي 14/6 نشرت صحيفة "يونجافليت" الألمانية تقريرًا لمعلقها السياسي فولف راينهارت قال فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش خططت منذ فترةٍ طويلةٍ لتفجير الأوضاع الداخلية الفلسطينية, وتحريض تيارٍ موالٍ لها داخل فتح على القيام بتصفياتٍ جسديةٍ للقادة العسكريين في حركة حماس.
وقد تحدَّث في هذا الموضوع صراحةً الجنرال "كيث دايتون" مسئول الاتصال العسكري الأمريكي المقيم في تل أبيب, في جلسة استماع عقدتها في أواخر أيار الماضي لجنة الشرق الأوسط بالكونجرس الأمريكي.
وفي شهادته ذكر الجنرال دايتون بأن للولايات المتحدة تأثيرًا قويًّا على كافة تيارات حركة فتح، وأن الأوضاع ستنفجر قريبًا في قطاع غزة, وستكون عنيفةً وبلا رحمة.
وقال إن وزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات المركزية ألقيتا بكل ما تملكان من ثقلٍ, في جانب حلفاء الولايات المتحدة و"إسرائيل" داخل حركة فتح.
كما أن تعبئة الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية ضد حماس, يُمثِّل خيارًا إستراتيجيًّا للإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما يُفسِّر أن الكونجرس لم يتردد في اعتماد مبلغ 59 مليون يورو لتدريب الحرس الرئاسي في بعض دول الجوار, وإعداده لخوض مواجهةٍ عسكريةٍ ضد حركة حماس.
أضاف المُعلِّق السياسي للصحيفة الألمانية أن التيار الأمريكي "الإسرائيلي" داخل فتح لم ينجح رغم كل الدعم السخي الذي قُدِّم إليه في كسر شوكة حماس، وهو ما دفع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى استدعاء خبرتها السابقة في جمهورية السلفادور, وتوجيهها للعناصر الفتحاوية المرتبطة بها لتشكيل فرق الموت لاغتيال قادة وكوادر حماس, وتحدَّث راينهارت في هذه النقطة عن خيوطٍ كثيرةٍ تربط بين فرق الموت والحرس الرئاسي الفلسطيني والمستشار الأمني النائب محمد دحلان, ونسب إلى خبيرة التخطيط السياسي بالجامعات "الإسرائيلية" د. هيجا ياو مجارتن" قولها إن دحلان مُكلَّف من وكالة المخابرات المركزية وأجهزة أمريكية أخرى, بتنفيذ مهمة محددة, هي تصفية أي مجموعات مقاومة لـ"إسرائيل" داخل وخارج حركة حماس.
(2)
في 10 كانون الثاني الماضي, وجه رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية رسالةً إلى رئيس السلطة أبو مازن, نصها كما يلي:
"نهديكم أطيب التحيات, ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.. لقد توافرت لنا بعض المعلومات في الآونة الأخيرة, تشير إلى خطةٍ أمنيةٍ تهدف إلى الانقلاب على الحكومة والخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني، ويمكن إيجاز هذه المعلومات في النقاط التالية:
- إدخال كميات ضخمة جدًّا من السلاح لصالح حرس الرئاسة, من بعض الجهات الخارجية, بمعرفة ومباركة من أمريكا وإسرائيل.
- تشكيل قوات خاصة من الأمن الوطني تُقدَّر بالآلاف لمواجهة الحكومة الفلسطينية والقوة التنفيذية واعتماد "مقر أنصار في غزة" مقرًا مركزيًّا لها.
- تجهيز هذه القوات بالسيارات والدروع والسلاح والذخيرة وصرف الرواتب كاملةً للموالين.
- تعقد اجتماعات أمنية حساسة لعددٍ من ضباط الأمن الفلسطيني في مقر السفارة الأمريكية حيث تناقش فيها خطط العمل.
- البدء بإجراءات إقالة لعددٍ من الضباط واستبدالهم بشخصياتٍ أخرى, مع العلم أن لجنة الضباط هي المختصة بهذه الشئون, كذلك تعيين النائب محمد دحلان من طرفكم شفاهيًّا كقائد عام للأجهزة الأمنية, وفي ذلك مخالفة قانونية.
- تهديد الوزراء ورؤساء البلديات بالقتل؛ حيث تم الاعتداء على الوزير وصفي قبها وزير الأسرى, وإعلامه عبر مرافقه أن الاعتداء القادم سيقتله، وكذلك تمَّ تكليف أحد ملياردي فتح من غزة بتصفية الوزير عبد الرحمن زيدان- وزير الأشغال والإسكان مقابل 30 ألف دولار.
الأخ الرئيس: بناءً على ما سبق وغيره الكثير من المعلومات التي نمتلكها, فإننا نُعبِّر عن بالغ أسفنا إزاء ما ورد؛ حيث إن ذلك يهدد النظام السياسي الفلسطيني, والنسيج الوطني والاجتماعي ويُعرِّض القضية برمتها للخطر.. نرجو منكم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لحمايةِ شعبنا وقضيتنا, ونحن سنظل أوفياء وحريصين على وحدة الشعب ولحمته، واقبلوا وافر التحية".
في الوقت الذي أرسل فيه السيد إسماعيل هنية هذا الخطاب إلى أبو مازن, كانت أمامه معلومات محددة حول بعض تفصيلات الإعداد للخطة الأمنية, التي منها على سبيل المثال: تعيين محمد دحلان قائدًا عامًا للأجهزة الأمنية- اختيار 15 ألف عنصر من الموالين لتشكيل قوة خاصة في الأمن الوطني لمواجهة حماس- دخول 150 سيارة جيب مزودة بأجهزة الاتصال اللاسلكي-توفير 2000 مدفع كلاشنكوف، إضافةً إلى ثلاثة ملايين رصاصة وتوفير الملابس الخاصة والدروع للقوة الجديدة- إعادة بناء كافة الأجهزة الأمنية وإقالة 15 من قادتها واستبدالهم بآخرين موالين- إقالة 185 من ضباط الأمن الوطني لتنقية صفوف الجهاز من غير الموثوق في موالاتهم.
إلى جانب هذه المعلومات, كانت هناك مذكرة بخط الفريق عبد الرازق المجايدة (منسق الأجهزة الأمنية) كُتبت على ورقة تحمل ختم ديوان الرئاسة, تحدثت عن مطالب موجهة إلى الأجهزة الأمنية وخاصةً الأمن الوطني, تضمنت سبعة بنود, من بينها وضع خطة العمليات وفرز الـ15 ألف عنصر المرشحين للقوة الجديدة, وحصر كميات الأسلحة والذخائر المتوفرة.
في هذا الجو المسكون بالشكوك والهواجس, أصدرت وزارة الداخلية تصريحًا صحفيًّا في 6/2 الماضي, أعربت فيه عن استنكارها وإدانتها للطريقة التي يتم من خلالها إدخال السيارات والمعدات اللوجستية من المعابر الحدودية بصورةٍ سريةٍ وبتعتيمٍ مريب, على نحو يتم فيه تجاوز الحكومة ووزارتها المختصة.
وذكر البيان أن وزارة الداخلية تُحمِّل الجهات التي تقف وراء هذه العملية كامل المسئولية عن أية تداعيات تنجم عن هذا الأسلوب المرفوض وطنيًّا وقانونيًّا.
(3)
يوم 6/6 نشرت صحيفة "هاآرتس" أن جهات في حركة فتح توجهت أخيرًا إلى المؤسسة الأمنية في "إسرائيل" طالبةً السماح للحركة بإدخال كميات كبيرة من العتاد العسكري والذخيرة من إحدى دول الجوار إلى غزة, لمساعدة الحركة في معركتها ضد حركة حماس، وأضافت الصحيفة أن قائمة الأسلحة والوسائل القتالية تشمل عشرات الآليات المصفحة والمئات من القذائف المضادة للدبابات من نوع "آر.بي.جي", وآلاف القنابل اليدوية وملايين الرصاصات، كما ذكرت أن مسئولي فتح تقدَّموا بطلباتهم في لقاءاتٍ مباشرةٍ مع مسئولين "إسرائيليين", كما أن المنسق الأمني الأمريكي الخاص في المناطق الفلسطينية المحتلة الجنرال كيث دايتون نقل طلبًا مماثلاً إلى "إسرائيل".
أضافت الصحيفة أن إسرائيل سمحت لفتح في السابق بتلقي كميات من الأسلحة شملت 2500 بندقية وملايين الرصاصات.. وقد تقرر إدخال الآليات المصفحة التي لا تعتبر سلاحًا يُشكِّل خطرًا على الدولة العبرية، لكنها استبعدت الموافقة على طلب تلقي قذائف صاروخية, لخشيتها في أن تقع بيد حماس.
نقلت الصحيفة عن الرئيس أبو مازن قوله في أحاديث مغلقة إن أمله خاب من رفض "إسرائيل" السماح بإدخال الأسلحة المطلوبة لفتح, وأضافت أن ثمة خلافًا في الرأي داخل المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" بخصوص الموضوع, خصوصًا أن غالبية خبراء جهاز الأمن العام (شاباك) ومكتب تنسيق شئون الاحتلال يعتقدون أن فتح ضعيفة للغاية في القطاع, وقد تنهار في المواجهة مع حماس, رغم الجهد الذي يبذله النائب محمد دحلان لتشكيل وتعزيز قوة مسلحة جديدة لفتح, تُسمَّى القوة التنفيذية, ردًّا على تنفيذية حماس.
في 13/6 ذكرت صحيفة "معاريف", نقلاً عن مصادر في الأجهزة الأمنية, أن سقوط مواقع الأمن التابعة للسلطة في أيدي حماس, يدلل على خطأ الرأي القائل بوجوب تقديم الدعم العسكري لحركة فتح؛ لأن ذلك السلاح سيعد غنيمةً تقع بأيدي حماس, وهو الرأي الذي تبناه "أفرايم سنيه" نائب وزير الدفاع, الذي طالما ضغط على وزير الدفاع للسماح لفتح بتلقي رشاشات ثقيلة لتعزيز موقفها في مواجهة حماس، وأضافت "معاريف" أن جميع قادة الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية" يرغبون في انتصار فتح, إلا أنهم يرون أنه من الخطأ عدم التحوط لنتائج انتصار حماس.
(4)
يوم الجمعة 15/6 وهو اليوم التالي مباشرةً لاستيلاء حماس على مواقع الأجهزة الأمنية في غزة, ذكرت النسخة العبرية لموقع "هاآرتس" على موقعها على شبكة الإنترنت أن كلاًّ من الإدارة الأمريكية والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفقا على خطة عمل محددة لإسقاط حكم حماس, عن طريق إيجاد الظروف التي تدفع الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة لثورة ضد الحركة، وأشارت الصحيفة إلى أن خطة العمل, التي تم التوصل إليها بين "الجانبين" تضمنت الخطوات الآتية:
1- حل حكومة الوحدة, وإعلان حالة الطوارئ؛ لنزع الشرعية عن كلِّ مؤسسات الحكم التي تُسيطر عليها حماس حاليًا في قطاع غزة.
2- فصل غزة عن الضفة الغربية والتعامل مع القطاع كمشكلةٍ منفردة, بحيث تقوم الإدارة الأمريكية وعباس بالتشاور مع "إسرائيل" والقوى الإقليمية والاتحاد الأوروبي لعلاج هذه المشكلة, ولا تستبعد الخطة أن يتم إرسال قوات دولية إلى القطاع.
3- تقوم "إسرائيل" بالإفراج عن عوائد الضرائب, وتحويلها إلى عباس الذي يتولى استثمارها في زيادة "رفاهية" الفلسطينيين في الضفة, إلى جانب محاولة الولايات المتحدة إقناع إسرائيل بتحسين ظروف الأهالي في الضفة لكي يشعر الفلسطينيون في قطاع غزة بأن أوضاعهم لم تزدد إلا سوءًا في ظل سيطرة حركة حماس على القطاع, الأمر الذي يزيد من فرصة تململ الجمهور الفلسطيني في القطاع ضد حماس, وبالتالي التمرد عليها.
4- اتفق عباس والإدارة الأمريكية على وجوب شن حملات اعتقال ضد نشطاء حماس في الضفة الغربية, من أجل ضمان عدم نقل ما جرى في القطاع إلى الضفة.
5- إحياء المسار التفاوضي بين "إسرائيل" والحكومة التي سيعينها عباس في أعقاب قراره حل حكومة الوحدة الوطنية.
أشارت الصحيفة إلى أن أبو مازن حرص على إطلاع مصر والأردن على القرارات التي توصَّل إليها قبل إعلانها, مشيرةً إلى أن أبو مازن طالب الدولتين بتأييد قراراته وقطع أي اتصالٍ مع حكومة حماس في القطاع.
في الوقت ذاته, خرج كبار المسئولين في "إسرائيل" عن طورهم وهم يشيدون بقرار أبو مازن حل الحكومة وإعلانه الطوارئ.. فقال وزير الحرب "الإسرائيلي" عمير بيرتس وزير الحرب- قبل تعيين باراك مكانه- إن ذلك القرار ساهم في تقليص الآثار السلبية جدًّا لسيطرة حماس على القطاع, واعتبر أن الخطوة تمثل مصلحةً إستراتيجيةً عليا لـ"إسرائيل".
من ناحيةٍ أخرى ذكرت صحيفة "معاريف" في عدد الجمعة 15/6 أنه في ظل قرار أبو مازن حل حكومة الوحدة الوطنية, فإن "إسرائيل" تدرس بإيجابية إمكانية الإفراج عن مستحقات الضرائب التي تحتجزها, لكي تحولها إلى الحكومة الجديدة، وأشارت الصحيفة إلى أن "إسرائيل" قد تعلن عن قطاع غزة ككيان عدو, ومن غير المستبعد أن يتم قطع الكهرباء والماء عن القطاع, خصوصًا إذا استمر إطلاق الصواريخ منه.
على صعيدٍ آخر قالت "إسرائيل" إنها تراهن بقوةٍ على تعاون الدول العربية, ورئاسة السلطة الفلسطينية معها في عدم السماح لحركة حماس بترجمة إنجازاتها العسكرية إلى مكاسب سياسية, معتبرةً أن التطورات الأخيرة تحمل في طياتها تحولات إقليمية بالغة الخطورة على "إسرائيل".
وقال الجنرال عاموس جلعاد- مدير الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع "الإسرائيلية" والمسئول عن بلورة السياسة "الإسرائيلية" تجاه الضفة الغربية وقطاع غزة-: "إن إسرائيل تحتاج أكثر من أي وقتٍ مضى لمساعدة الدول العربية, وتحديدًا مصر في مواصلة خنق حركة حماس, لا سيما بعد إنجازها السيطرة على كامل قطاع غزة, معتبرًا أنه في حال لم يتم نزع الشرعية عن وجود حركة حماس في الحكم, فإن هذا سيكون له تداعيات سلبية جدًّا على "إسرائيل"، وفي مقابلة مع الإذاعة "الإسرائيلية" باللغة العبرية ظهر الجمعة 15/6 عدد جلعاد مطالب "إسرائيل" من الدول العربية بشأن إحكام الخناق على حركة حماس, معتبرًا أن الدول العربية "المعتدلة" مطالبة بنزع أي شرعيةٍ عربيةٍ أو دوليةٍ عن حكومة الوحدة الوطنية وعدم إجراء أي اتصالاتٍ معها, وأن الحصار العربي لحكومة الوحدة الوطنية هو مطلب أساسي وحيوي لنجاح الحصار على الحكومة الفلسطينية.
وحذَّر جلعاد من أنه في حال لم تُقدم الدول العربية على هذه الخطوة, فإن الكثير من دول العالم ستعترف بوجود حماس في الحكم وستستأنف ضخ المساعدات للفلسطينيين.
أضاف الرجل أن أبو مازن أصبح مهمًّا للغاية لإسرائيل الآن, إذ هو وحده الذي يستطيع تقليص الآثار السلبية لسيطرة حماس على غزة، غير أن بنيامين إليعازر وزير البنى التحتية قال في تصريحاتٍ للإذاعة إن على إسرائيل أن تتحوَّط للوضع الدراماتيكي الجديد بكل حذر، وشدد على وجوب بذل كل جهدٍ ممكن لإقناع الدول العربية بالوقوف إلى جانبها في حربها ضد حماس.
في ذات الوقت أشار عوديد جرانوت معلق الشئون العربية في القناة الأولى للتلفزيون "الإسرائيلي" ظهر الجمعة إلى أن قرار أبو مازن حل حكومة الوحدة الوطنية يُمثل مصلحةً لـ"إسرائيل" من حيث إنه يعني إسدال الستار على اتفاق مكة.. هل فهمتَ ما فهمتُه أنا؟.
--------
* نقلاً عن جريدة (العرب اليوم) الأردنية